وقال
الأشاعرة: قولا يلزم منه انقطاع حجج الأنبياء، وظهور المعاندين عليهم وهم معذورون في تكذيبهم، مع أن الله تعالى قال: لئلا يكون للناس على الله
حجة بعد الرسل (1)، فقالوا: إنه واجب بالسمع لا بالعقل وليس يجب بالعقل شئ البتة، فيلزمهم إفحام الأنبياء واندحاض (2) حجتهم لأن
النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء إلى المكلف فأمر بتصديقه واتباعه لم يجب ذلك عليه إلا بعد العلم بصدقه، إذ بمجرد الدعوى لا يثبت صدقه، ولا بمجرد ظهور المعجزة على يده ما لم تنضم إليه مقدمات، منها أن هذه المعجزة من عند الله تعالى فعله لغرض التصديق، ومنها أن كل من صدقه الله تعالى فهو صادق، لكن العلم بصدقه حيث
يتوقف على هذه المقدمات النظرية لم يكن ضروريا بل يكون نظريا، فللمكلف أن يقول: لا أعرف صدقك إلا بالنظر والنظر لا أفعله إلا إذا وجب على
وعرفت وجوبه، ولا أعرف وجوبه إلا بقولك، وقولك ليس
بحجة قبل العلم بصدقك، فتنقطع
حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يبقى له جواب يخلص به، فتنتفي فائدة
بعثة الرسل حيث لا يحصل الانقياد إلى أقوالهم و يكون المخالف لهم معذورا، وهذا هو عين الالحاد والكفر نعوذ بالله منه، فلينظر العاقل المنصف من نفسه هل
يجوز له اتباع من يؤدي مذهبه إلى الكفر؟ وإنما قلنا: بوجوب النظر لأنه دافع للخوف، ودفع
الخوف واجب بالضرورة " إنتهى " قال الناصب خفضه الله أقول: إعلم أن النظر في معرفة الله تعالى واجب بالاجماع، والاختلاف في طريق ثبوته، فعند
الأشاعرة طريق ثبوته السمع، لقوله تعالى: انظروا، و لأن معرفة الله واجبة إجماعا، وهي لا تتم إلا بالنظر، وما لا يتم الواجب المطلق
____________________
(1) النساء. الآية: 165.
(2) الاندحاض: البطلان.