في العقل، ولكن الشرع كاشف عنهما، ففي المذهبين لا بد وأن يؤخذ من الشرع إما لكونه حاكما أو كاشفا،
فكل ما يرد على
الأشاعرة في هذا المقام بقولهم: إن الشرع حاكم بالوجوب دون العقل، يرد على
المعتزلة بقولهم: إن الشرع كاشف للوجوب، لأن في القولين لا بد من الشرع ليحكم أو يكشف، ثم ما ذكر أن معرفة الله تعالى دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف، ودفع
الخوف واجب بالضرورة، فنحن نقول فيه بعد تسليم حكم العقل
بالحسن والقبح في الأفعال وما يتفرع عليهما من الوجوب والحرمة وغيرهما: بمنع حصول
الخوف المذكور، لعدم الشعور بما جعلتم الشعور به سببا له من الاختلاف وغيره، ودعوى ضرورة الشعور من العاقل ممنوعة، لعدم الخطور في الأكثر، فإن أكثر الناس لا يخطر ببالهم أن هناك اختلافا بين الناس فيما ذكر، وأن لهذه النعم منعما قد طلب منهم الشكر عليها، بل هم ذاهلون عن ذلك، فلا يحصل لهم
خوف أصلا، وإن سلم حصول
الخوف، فلا نسلم أن العرفان الحاصل بالنظر يدفعه، إذ قد يخطي فلا يقع العرفان على وجه الصواب، لفساد النظر فيكون
الخوف حينئذ أكثر ثم ما ذكر من لزوم الدور مندفع، بأن
وجوب المعرفة بالشرع في نفس الأمر لا
يتوقف على معرفة الايجاب وإن توقف على الايجاب في نفس الأمر فلا يلزم الدور، ثم ما ذكر: أن المعرفة لا تجب إلا بالأمر، والأمر إما أن يتوجه إلى العارف أو الغافل وكلاهما باطل، فنقول في جوابه: المقدمة الثانية القائلة: بأن تكليف غير العارف باطل لكونه غافلا ممنوعة، إذ شرط التكليف فهمه وتصوره لا العلم والتصديق به، لأن الغافل من لا يفهم الخطاب أو لم يقل له (1) إنك مكلف، فتكليف غير العارف ليس من المحال في شئ والله أعلم " إنتهى كلامه "،
____________________
(1) لم يقل مبني للمفعول من قال يقول فلا تغفل.