العقلي الحاكم بحسن التكليف، ومن المكلف به ما لا يستقل العقل للاهتداء إلى دركه، فيجب الرجوع في مثله إلى المؤيد من عند الله تعالى، وأما ثالثا، فلأن ما خص به في هذا المقام من إفاداته المضحكة الباطلة مردود من وجوه: أما أولا فلأنه لا يلزم من قول المكلف: أريد بالوجوب الذي ألزمتك إثباته على ما يكون ترك الواجب به إثما وفعله ثوابا إثباته للشرع وإذعانه به، إذ يكفي في إلزامه للنبي سماعه تلك العبارات من أهل الشرع قديما أو حديثا من غير إذعانه [خ ل إذعان] له بحقائقها، وأما ثانيا، فلأن قوله: فإن كل عاقل يعرف أن ترك النظر في معرفة خالقه مع بث النعم قبيح وفيه مفسدة " الخ "، مدخول بأن مجرد العلم بنحو من القبيح [خ ل القبح] لا يوجب إقدام المكلف إلى الفعل الحسن أو امتناعه عن الفعل القبيح، بل الداعي له إلى ذلك إنما يكون كون الفعل حسنا أو قبيحا عقلا بالمعنى المتنازع فيه أي كونه مستحقا للثواب، أو العقاب، أو جديرا بالذم من الله تعالى أو المدح منه، فإن المعاني الأخر التي لا نزاع في عقليتها لا تؤدي بمفهومها إلى
خوف المكلف من مؤاخذة في العاجل أو الآجل حتى وجب له الاقدام إلى الفعل أو الاحجام (1) عنه، فإن كثيرا ممن يعتقد الخير والشر وترتب الثواب والعقاب من الله تعالى على الفعل، ولا يستحل فعل القبيح وترك الحسن، ربما يخل بالواجب لتورطه في
الشهوات، فكيف بالمكلف الذي نشأ في أيام
الجاهلية ولم يعتقد بعد شيئا من ذلك؟ لظهور أن مجرد تعقله لكون الفعل متضمنا لصفة كمال أو نقص أو مشتملا على مصلحة أو مفسدة من غير توقع
خوف عاجلا أو آجلا لا يوجب له ذلك، نعم لو كان المراد من المصلحة والمفسدة الثواب والعقاب دون ما يعتبر من ذلك في مجاري العادات، لحصل
الخوف، لكن إذا فسر
____________________
(1) الاحجام عن الشئ الكف عنه.