يدرك جميع الموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلق، وحينئذ يلزم تعلق، الادراك بالمعدوم، وبأن الشئ سيوجد، وبأن الشئ قد كان موجودا (1) وبأن يدرك ذلك بجميع الحواس من الذوق والشم واللمس والسمع، لأنه لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح وبين رؤية المعدوم، وكما أن العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروري، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح، (وأيضا) يلزم أن يكون الواحد منا رائيا مع الساتر العظيم البتة، ولا يرى الفيل الأعظم ولا الجبل الشاهق مع عدم الساتر على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأول وانتفى في الثاني، وكان يصح منا أن نرى ذلك المعنى، لأنه موجود، وعندهم أن كل موجود يصح رؤيته ويتسلسل، لأن رؤية المعنى إنما أيكون بمعنى آخر، وأي عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى
جواز رؤية
الطعم والرائحة والحرارة والبرودة والصوت بالعين وجواز لمس العلم والقدرة والطعوم والرائحة والصوت باليد وذوقها باللسان وشمها بالأنف وسماعها بالأذن؟ وهل هذا إلا مجرد سفسطة وإنكار المحسوسات ولم يبالغ السوفسطائية في مقالتهم هذه المبالغة؟ " إنتهى " قال الناصب خفضه الله أقول: الظاهر أنه استعمل الادراك وأراد به الرؤية، وحاصل كلامه أن
الأشاعرة يقولون: إن الرؤية معنى يحصل في المدرك، ولا
يتوقف حصوله على شرط من الشرائط، وهذا ما قدمنا ذكره غير مرة وبينا ما هو مرادهم من هذا الكلام ثم إن قوله: وجوزوا بسبب ذلك إدراك المعدومات لأن من شأن الادراك أن يتعلق بالمرئي على ما هو عليه في نفسه، وذلك يحصل في حال عدمه كما يحصل
____________________
(1) إشارة إلى قسمي المعدوم.