والافتراق، وهذا ظاهر، ونرى الجوهر أيضا، لأنا نرى الطول والعرض في الجسم وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم لما تقرر: من أنه مركب من الجواهر الفردة، فالطول مثلا إن قام بجزء واحد فذلك الجزء يكون أكثر حجما من جزء آخر فيقبل القسمة، هذا خلف، وإن قام بأكثر من جزء واحد لزم قيام العرض الواحد بمحلين، وهو محال، فرؤية الطول والعرض هي رؤية الجواهر التي تركب منها الجسم، فقد ثبت أن صحة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض، وهذه الصحة لها علة مختصة بحال وجودهما، وذلك لتحققها عند الوجود وانتفائها عند العدم، و لولا تحقق أمر مصحح حال الوجود غير متحقق حال العدم لكان ذلك ترجيحا بلا مرجح وهذه العلة لا بد أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض، والالزم تعليل الأمر الواحد بالعلل المختلفة وهو غير جائز، ثم نقول: هذه العلة المشتركة إما الوجود أو الحدوث إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما، لكن الحدوث عدمي لا يصلح للعلية فإذن العلة المشتركة، الوجود، فإنه مشترك بينهما وبين الواجب، فعلة صحة الرؤية متحققة في حق الله تعالى فيتحقق صحة الرؤية و هو المطلوب. ثم إن هذا الدليل يوجب أن تصح رؤية كل موجود كالأصوات و الروائح والملموسات والطعوم كما ذكره هذا الرجل، والشيخ الأشعري يلتزم هذا ويقول: لا يلزم من صحة الرؤية لشيئ تحقق الرؤية له، وأنا لا نرى هذه الأشياء التي ذكرناها بجري العادة من الله بذلك أي بعدم رؤيتها، فإن الله تعالى جرت عادته بعدم خلق رؤيتها فيها ولا يمتنع أن يخلق الله فينا رؤيتها، كما خلق رؤية غيرها، والخصوم يشد دون عليه الانكار ويقولون: هذه مكابرة محضة وخروج عن حيز العقل بالكلية، ونحن نقول: ليس هذا الانكار إلا استبعادا ناشئا عما هو معتاد في الرؤية، والحقائق والأحكام الثابتة المطابقة للواقع لا تؤخذ من العادات بل مما تحكم به العقول الخالصة من الأهواء وشوائب التقليدات. ثم من الواجب
(١٢١)