بأن يرافعه المحكوم عليه إلى حاكم آخر غير الأول، فإن لم ينفذ الثاني ما حكم به الأول ابتدأ الخصومة واستمرت المنازعة في ذلك، وهو ضرر عظيم، ومناف لقصد نصب الحكام الذين وضعوا لفصل الخصومات وقطع المنازعات، وأيضا البينة تثبت ما يثبت بالإقرار مع الجحود، ولو اعترف الغريمان أن حاكما حكم عليهما بكذا فإن الحاكم الثاني يلزمهما حكم الأول، وكذا لو قامت البينة به.
احتجوا بما ورد من المنع (1) من كتاب قاض إلى قاض، وبأنه حكم بالظن المنهي عن العمل به.
والجواب: ما ذكرناه ليس عملا بكتاب قاض إلى قاض، والظن متبع في الشهادة والفتوى وحكم الحاكم، وما نحن فيه من هذا القبيل.
إذا عرفت هذا فهذا الحكم إنما يثبت في حقوق الناس من الأموال دون الحدود ودون حقوق الله تعالى، بشرط أن يحضر الشاهدان اللذان شهدا بإنهاء الحكم إلى الحاكم الثاني خصومة المتنازعين ويسمعا الدعوى وحكم الحاكم ويشهدهما الحاكم على حكمه، فحينئذ إذا شهدا عند الحاكم الثاني بما شهداه من الواقعة وحكم (2) ما سمعاه من لفظ الحاكم وحكمه أنفذ ما حكم به، لا بمعنى أنه يحكم بصحة الحكم في نفس الأمر.