هذا على المعتزلي فاعترف بأنه تعالى في أفعال صاحب هذا الغرض لزمه إثبات الاحتياج لله تعالى في أفعاله وهو لا يقول بهذا قط، لأنه ينفي الصفات الزائدة ليدفع الاحتياج، فكيف يجوز الغرض المؤدي إلى الاحتياج؟ فلا شك أنه ينفي الصفات الزائدة ليدفع الاحتياج إلى هذا من الله تعالى، فبقي أن مراده من إثبات الغرض دفع العبث من أفعاله تعالى، فهو يقول: إن الله تعالى مثلا خلق الخلق للمعرفة يعني غاية الخلق والمصلحة التي لاحظتها حكمة الله تعالى ودارت عليها هي المعرفة، لا أنه يفعل الأفعال لا لغرض ومقصود كالعابث واللاعب، فهذا عين ما يقوله الأشاعرة:
من إثبات الغاية والمصلحة، فعلم أن النزاع نشأ من عدم تحرير المدعى " إنتهى ".
أقول:
من العجب! أنه يحكم بأن بطلان ما ذكره المصنف أظهر من أن يخفى، ثم يحكم آخرا بأنه صالح للصلح بوجه، وأما ما ذكره بقوله: لأن أحدا لم يقل: بأن الفاعل المختار، لم يلاحظ غايات الأشياء " الخ ".
فإنما يدل على عدم القول: بأن الفاعل للشيئ غير ملاحظ لغايته، بمعنى أنه يتصور تلك الغاية والمصلحة الحاصلة في ذات الشئ، لا أنه يجعل تلك الغاية والمصلحة منشئا وعلة لصدور ذلك الشئ عنه، والمعتزلة يوجبون ملاحظة الفاعل لغاية الشئ، بمعنى قصده كون تلك الغاية منشئا وعلة لصدور ذلك الشئ عنه، وأين هذا من ذاك؟! ومن البين أن مجرد تصور الغاية الحاصلة في ذات الفعل بدون أن يجعل منشئا لصدور الفعل، لا يمنع عن التسوية بين العبد المطيع والعبد العاصي، لجواز أن يتصور ذلك، ولا يجعله علة ومنشئا لصدور الفعل، فيجوز استعماله في خلاف ما اقتضته الغاية الكائنة فيه، وأما ما ذكره من الصلح فهو مبني على تخليطه المذكور فيكون صلحا من غير تراضي الخصمين.