خلق الأشياء قدرها ودبرها، ولكن ليست أفعاله محتاجة إلى علة غائية كأفعالنا الاختيارية، فإنا لو فقدنا العلة الغائية لم نقدر على الفعل الاختياري، وليس هو تعالى كذلك للزوم النقص والاحتياج، بل الآثار والمصالح تترتب على أفعاله من غير نقص الاحتياج إلى العلة الغائية الباعثة للفاعل، ولولاها لم يتصور الفعل الاختياري من الفاعل، هذا هو المطلوب من كلام الأشاعرة، لا نفي منافع الأشياء وأنها لم تكن معلومة لله تعالى وقت خلق الأشياء، مثلا اقتضت حكمة خلق العالم أن يخلق الشمس مضيئة، وفي إضاءتها منافع للعباد، فالله تعالى قبل أن يخلق الشمس كان يعلم هذه المنافع المترتبة عليها فخلقها، وترتبت المنافع عليها من غير احتياج إلى حالة باعثة إلى هذا الخلق، فلا يلزم أن لا تكون المنافع مقصودة، بل هي مقصودة بمعنى ملاحظة المصلحة والغاية المترتبة عليها، لا بمعنى الغرض الموجب لإثبات النقص له " إنتهى ".
أقول إن قوله أولا: لا يلزم أن تكون منافع الأشياء غير مقصودة لله تعالى كقوله ثانيا، بل هي مقصودة بمعنى ملاحظة المصلحة " الخ " كلام مجمل، إن أراد به أنها مقصودة لله تعالى ملحوظة له عند الاتيان بالفعل فقد ثبت الغرض كما مر بيانه، وإن أراد أنها ملحوظة قبل ذلك غير ملحوظة عند الاتيان بالفعل فهو عبث أو في حكم العبث كما مر أيضا، وأما ما ذكره: من أنا لو فقدنا العلة الغائية، لم نقدر على الفعل الاختياري، وليس هو تعالى كذلك للزوم النقص والاحتياج الخ، فيتوجه عليه ما ذكرناه آنفا: من أنا لا نسلم أن الاحتياج في الفاعلية إلى الغير مطلقا موجب للنقصان، فإنه تعالى محتاج في صفاته الفعلية إلى مخلوقاته اتفاقا، على أنا قد ذكرنا هناك ما يدفع ذلك بوجه آخر، وهو ما حاصله: أنه إنما يلزم استكماله