وما بعده من الأبواب إن شاء الله فنقول وبالله التوفيق ان الشمس إذا طلعت كان ظلها طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول فإذا زالت زاد ثم قد تقرر ان قامة كل انسان سبعة اقدام باقدامه وثلاث اذرع ونصف بذراعه والذراع قدمان فلذلك بعبر عن السبع بالقدم وعن طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وان كان في غير الانسان وقد جرت العادة بان يكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الوقت ذراعا كما يأتي الإشارة إليه في حديث تعريف الزوال وكان دخل رسول الله صلى الله عليه وآله للذي كان يقيس به الوقت أيضا ذراعا فلأجل ذلك كثيرا يعبر عن القامة بالذراع وعن الذراع بالقامة وربما يعبر عن الظل الباقي عند الزوال من الشاخص بالقامة أيضا وكأنه كان اصطلاحا معهودا وبناء على هذا الحديث على إرادة هذا المعنى كما ستطلع عليه ثم إن كلا من هذه الألفاظ قد يستعمل لتعريف أول وقتي فضيلة الفريضتين كما في هذا الحديث وقد يستعمل لتعريف اخر وقتي فضيلتهما كما يأتي في الاخبار الاخر فكلما يستعمل لتعريف الزوال فالمراد به مقدار سبعي الشاخص وكلما يستعمل لتعريف الاخر فالمراد به مقدار تمام الشاخص ففي الأول يراد بالقامة الذراع وفي الثاني بالعكس وربما يستعمل لتعريف الاخر لفظ ظل مثلك وظل مثليك ويراد بالمثل القامة والظل قد يطلق على ما يبقى عند الزوال خاصة وقد يطلق على ما يزيد بعد ذلك فحسب الذي يقال له الفئ من فاء يفيئ إذا رجع لأنه كان أولا موجودا ثم عدم ثم رجع وقد يطلق على مجموع الامرين ثم إن اشتراك هذه الألفاظ بين هذه المعاني صار سببا لاشتباه الامر في هذا المقام حتى أن كثيرا من أصحابنا عدوا هذا الحديث مشكلا لا ينحل وطائفة منهم عدوه متهافتا ذا خلل وأنت بعد اطلاعك على ما أسلفناه لا أحسبك تستريب في معناه الا انه لما صار على الفحول خافيا فلا باس ان نشرحه شرحا شافيا نقابل به ألفاظه وعباراته ونكشف به عن رموزه وإشاراته فنقول والهداية من الله تفسير الحديث على وجهه والله أعلم ان يقال إن مراد السائل انه ما معنى ما جاء في الحديث (من تحديد) أول وقت فريضة الظهر وأول وقت فريضة العصر تارة بصيرورة الظل قامة وقامتين وأخرى بصيرورته ذراعا وذراعين وأخرى قدمان وقدمين وجاء من هذا القبيل من التحديد مرة ومن هذا أخرى فمتى هذا الوقت الذي يعبر عنه بألفاظ متبائنة المعاني وكيف يصح التعبير عن شئ واحد بمعان متعددة مع أن الظل الباقي عند الزوال قد لا يزيد على نصف القدم فلابد من مضى مدة مديدة حتى يصير مثل قامة الشخص فكيف يصح تحديد أول الوقت بمضي مثل هذه المدة الطويلة من الزوال فأجاب عليه السلام بان المراد بالقامة التي يحد بها أول الوقت التي هي بإزاء الذراع ليس قامة الشخص الذي هو شئ ثابت غير مختلف بل المراد به مقدار ظلها الذي يبقى على الأرض عند الزوال الذي يعتبر عنه بظل القامة وهو يختلف بحسب الأزمنة والبلاد مرة ويكثر ومرة يقل وانما يطلق عليه القامة في زمان يكون مقداره ذراعا فإذا زاد الفئ أعني الذي يزيد من الظل بعد الزال بمقدار ذراع حتى صار مساويا للظل فهو أول الوقت للظهر فإذا زاد ذراعين فهو أول الوقت للعصر واما قوله عليه السلام فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين فمعناه ان الوقت انما يضبط حينئذ بالذراع والذراعين خاصة دون القامة والقامتين واما التحديد بالقدم فأكثر ما جاء في الحديث فإنما جاء بالقدمين والأربعة اقدام وهو مساو للتحديد بالذراع والذراعين وما جاء نادرا بالقدم والقدمين فإنما أريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت فالأول ولعل الإمام عليه السلام انما لم يتعرض للقدم عند تفصيل الجواب وتنبيه لما استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك وانه انما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلة في تأخير أول الوقت إلى ذلك المقدار وفي التهذيب فسر القامة في هذا الخبر بما يبقى عند الزوال من الظل سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر وجعل التحديد بصيرورة الفيئ الزايد مثل الظل الباقي كائنا ما كان واعترض عليه بعض مشايخنا طاب ثراهم بأنه يقتضي اختلافا فاحشا في الوقت بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت كما إذا كان الباقي شيئا يسيرا جدا بل يستلزم الخلو عن التوقيت في اليوم الذي قامت فيه الشمس رأس الشخص لانعدام الظل الأول حينئذ ويعني بالعبادة النافلة لان هذا التأخير من الزوال انما هو للاتيان بها كما ستقف عليه أقول اما الاختلاف الفاحش فغير لازم وذلك لان كل بلد وزمان يكون الظل الباقي فيه كثيرا فإنما يزيد الفيئ فيه في زمان يسير لسرعته في التزائد حينئذ فلا يتفاوت الامر في ذلك واما انعدام الظل فهو امر نادر لا يكون الا في قليل من البلاد في يوم يكون الشمس فيه مسامتة لرؤس أهله لا غير ولا عبرة بالنادر نعم يرد على تفسير صاحب التهذيب أمران أحدهما انه غير موافق لقوله عليه السلام فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين لأنه على تفسيره يكون دائما محصورا بمقدار ظل القامة كائنا ما كان والثاني انه غير موافق للتحديد الوارد في سائر الأخبار المعتبرة المستفيضة كما يأتي ذكرها بل يخالفه مخالفة شديدة كما يظهر عند الاطلاع عليها والتأمل فيها وعلى المعنى الذي فهمناه من الحديث لا يرد عليه شئ من هذه المؤاخذات الا انه يصير جزئيا مختصا بزمان خاص ومخاطب مخصوص ولا باس بذلك ان قيل اختلاف النافلة في الطول والقصر بحسب الأزمنة والبلاد وتفاوت حد أول وقت الفريضتين التابع لذلك لازم على اي التقادير لما ذكرت من سرعة تزايد الفئ تارة وبطئه أخرى فكيف ذلك قلنا نعم ذلك كذلك ولا باس بذلك لأنه تابع لطول اليوم وقصره كسائر الأوقات في الأيام والليالي انتهى كلامه رفع مقامه واستدل للقول باعتبار المماثلة بين الفئ الزايد والشخص كما عن المشهور بالأخبار المستفيضة التي ورد فيها الحديث وقت الظهر بالقامة والعصر بالقامتين مثل صحيحة أحمد بن عمر عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن وقت الظهر والعصر فقال وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين وصحيحة أحمد بن محمد قال سئلته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر وخبر محمد بن حكيم قال سمعت العبد الصالح عليه السلام وهو يقول إن أول وقت الظهر زوال الشمس
(٣٧)