على حس البصر وهذا لا يقتضي شرع التقليد في حقه فكيف يقاس بالجاهل بالاحكام الذي ثبت مشروعية التقليد في حقه وبما أشرنا إليه من أن الغالب حصول الوثوق بجهة القبلة من اخبار المخبرين ظهر ضعف الاستدلال لشرعية التقليد في حق الأعمى ببعض الأخبار الدالة على اعتماده على الغير كاخبار الاتمام به إذ وجهه غيره إلى القبلة كقوله عليه السلام في صحيحة الحلبي لا باس ان يؤم الأعمى القوم ان كانوا هم الذين يوجهونه وفي خبر السكوني قال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث لا يؤم الأعمى في الصحراء الا ان يوجه إلى القبلة إلى غير ذلك من الروايات هذا مع ما في التمسك بمثل هذه المطلقات الواردة لبيان حكم اخر ما لا يخفى ثم إن الأصحاب رضوان الله عليهم قد تعرضوا في المقام لايراد فروع كثيرة مبنية على أن وظيفة الأعمى تقليد الغير كاشتراط عدالة المخبر واسلامه أو بلوغه أو ذكوريته أو عدم اشتراط شئ منها أو بعضها دون بعض وكجواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل أو عدمه وانه عند معارضة قول مخير مع اخر هل الحكم التساقط والتخيير إلى غير ذلك من الفروع التي لا يهمنا التعرض لها بعد البناء على عدم الفرق بين الأعمى وغيره وان اعتماده على قول الغير انما هو فيما إذا أفاد قوله الجزم والاطمئنان بالجهة أو قلنا بكونه في حد ذاته حجة معتبرة والا فيدون مدار افادته الظن فيعول عليه السلام حينئذ عند تعذر العلم كما يعول عليه غيره أيضا في مثل الفرض على ما عرفته فيما سبق لا من باب الاخذ بقول الغير تعبدا بل لكونه من الأمارات الظنية التي يصدق عند التعويل عليها اسم التحري الذي دلت صحيحة زرارة المتقدمة على أنه ابدا يجزي إذا لم يعلم أين وجه القبلة ولكن لا يخفى عليك انه يشترط في جواز التعويل على قول الغير من باب الظن بل على كل امارة ظنية استفراغ الوسع والفحص عن المعاضدات والمنافيات بمقدار لم يصل إلى حد العسر حتى يصدق عليه اسم التحري والاجتهاد في الرأي الواردين في الاخبار فلو تعارض أمارتان كما لو اخبر شخص بجهة أواخر بجهة أخرى وكان قول كل منهما في حد ذاته مفيدا للظن فإن كان أحدهما أوثق بحيث أفاد ظنا فعليا عول عليه والا تساقطا بالنسبة إلى مؤديهما ولكن يحصل من مجموعهما الظن بعدم كون القبلة في ساير جهات القبلة فيكون بمنزلة من علم بانحصار القبلة في جهتين وستعرف حكمه إن شاء الله تنبيه قد تعرض غير واحد لبيان انه هل يجب على كل مكلف عينا معرفة علائم القبلة أم لا يجب الا كفاية فالعامي لدى التباس الامر عليه يعول على قول غيره ان افاده الظن والا يصلي إلى اربع جهات كما هو وظيفة المتحير على ما ستعرف أقول والذي ينبغي ان يقال إنه يجب على أهل كل إقليم كفاية ان يشخصوا جهة القبلة في بلدهم بشئ من العلائم ولو باستعمال القواعد الرياضية كي يتوجهوا إليها في صلاتهم وذبحهم ويوجهوا إليها موتاهم حال الاحتضار والدفن إلى غير ذلك من الاحكام التي يتوقف امتثالها على معرفة قبلة البلد واما بعد معروفية قبلة البلد التي هي احدى العلائم المعتبرة كما في ساير بلاد المسلمين فلا يجب على أحد من العوام ولا العلماء معرفة ساير العلائم الا إذا علم بأنه لو لم يعلمها يفوته الاستقبال أحيانا فيما يشترط فيه الاستقبال كالصلاة ونحوها فيجب معرفتها حينئذ كسائر الأحكام الشرعية التي يجب تعلمها على كل من علم بأنه لو لم يعلمها يقع أحيانا في محذور مخالفة الواقع من غير فرق بين ان يكون ذلك قبل حضور زمان أداء التكليف أو بعده كما عرفت تحقيق ذلك في صدر كتاب الطهارة عند البحث عن وجوب غسل الجنابة في الليل لصوم الغد ولا يجدي في رفع الوجوب سقوط شرطية الاستقبال لدى الضرورة إذ لا يجوز ايقاع المكلف نفسه في مواقع الضرورة اختيارا كما أشرنا إلى ذلك استند البحث عن جواز إراقة الماء في مبحث التيمم فراجع ومع فقد العلم والظن فإن كان الوقت واسعا صلى الصلاة الواحدة إلى اربع جهات لكل جهة مرة على المشهور شهرة عظيمة بين القدماء والمتأخرين على ما في الجواهر بل عن صريح الغنية وظاهر غير واحد دعوى الاجماع عليه وفي الحدائق نقل عن ابن أبي عقيل أنه قال لو خفيت عليه القبلة لغيم أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على القبلة صلى حيث شاء مستقبل القبلة وغير مستقبلها ولا إعادة عليه إذا علم بعد ذهاب وقتها انه صلى لغير القبلة ثم قال وهو الظاهر من ابن بابويه ونفي عنه البعد في المختلف وما إليه في الذكرى واختاره جملة من محققي متأخري المتأخرين وهو المختار لما ستعرف من الاخبار انتهى واستدل للمشهور مضافا إلى الاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة برواية خراش عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت السماء علينا أو اظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد فقال ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل لأربع وجوه وعن الخلاف أنه قال وروى المتحير يصلي إلى اربع جوانب وعن الفقيه وقد روى فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة ان يصلي إلى اربع جوانب ويحتمل ان يكون المراد بالمرسلتين رواية خراش وان لا يخلو هذا الاحتمال بالنسبة إلى الأخيرة منهما من بعد وكيف كان فعمدة المستند للمشهور هي رواية خراش ونوقش فيها بأنها ضعيفة السند ومتروكة الظاهر حيث إنها بظاهرها تدل على عدم اعتبار الاجتهاد في القبلة وهو مخالف للنص والفتوى كما عرفت فيما سبق وفيه ان ضعف سندها مجبور بما سمعت واما مهجورية ظاهرها فهي غير قادحة في الاستشهاد بها لوجوب الصلاة إلى اربع جهات في الجملة عند اشتباه القبلة وعدم كفاية صلاة واحدة هذا مع انا قد أشرنا فيما تقدم إلى أن المراد بالاجتهاد على ما يشهد به بعض القرائن الداخلية والخارجية هو الاجتهاد المصطلح اي الفتوى بالرأي لا الاجتهاد في تشخيص جهة القبلة واستدل له أيضا بقاعدة الاشتغال فإنه لا يحصل القطع بالخروج عن عهدة التكليف بالصلاة لشروطه بالاستقبال الا بالصلاة إلى اربع جهات فتجب ودعوى ان هذه لا توجب القطع بحصول استقبال جهة القبلة في شئ منها حتى توجب القطع بالخروج عن عهدة التكليف لامكان انحراف كل منها عن الجهة المحاذية لعين الكعبة بمقدار ثمن الدائرة ومن الواضح ان الجهة العرفية التي التزمنا بكافية استقبالها للبعيد لا تتسع إلى هذا الحد فالقول بالصلاة إلى اربع جهات يجب ان يكون مستندا إلى دليل اخر غير قاعدة الاشتغال مدفوعة أولا بانا وان سلمنا في تساع الجهة العرفية التي يجب على البعيد احرازها ويعد لدى العرف استقبالها استقبالا للكعبة إلى هذا الحد ولكنك عرفت عند تفسير الجهة انه لا يجب على من لم يشاهد الكعبة
(٩٧)