فيرجع في حكم العامد إلى ما يقتضيه الأصل وهو الجواز كما تقدمت الإشارة إليه غير مرة لا يقال إن مفاد الأخبار الناهية هو المنع عن العدول مطلقا فثبوت الرخصة في صلاة الجمعة مع النسيان لا يوجب الا تقييد اطلاقه بالنسبة إلى هذا الفرد لا اخراجه بنفسه عن مورد الحكم لأنا نقول اما ما عدى صحيحة الحلبي فحالها حال الاخبار المخصصة التي ادعى انصرافها إلى الناسي لورودها فيمن أراد ان يقرء سورة فبدء بقل هو الله أحد فاستفادة المنع عنه في العامد من مثل هذه الأخبار انما هو بالفحوى فيمتنع دلالتها عليه فيما ثبت جوازه مع النسيان ضرورة عدم بقاء الدلالة التبعية بعد انتفاء أصلها واما صحيحة الحلبي فليس للجملة المستثناة الواقعة فيها ظهور في الاطلاق الأحوالي لورود اطلاقها مورد حكم اخر ولو سلم ظهورها في شمول حالتي العمد والسهو فليس ذلك مسببا عن أن لها عموم أو اطلاق أحوالي مغائر لعموم النهي عنه في كل صلاة كي يمكن ارتكاب التصرف في الأول بتقييد أو تخصيص مع ابقاء هذا العموم بحاله بل من حيث ظهورها في تعلق النهي بمهية العدول من السورتين من حيث هي في مطلق صلاته فإذا ثبت جوازه في صلاة الجمعة في الجملة علم أن هذه الصلاة غير مرادة من الصلاة التي نهى عن العدول فيها على الاطلاق فهي خارجة عن الموضوع الذي حكمه حرمة مطلق العدول فيه نعم لو كان للكلام ظهور في الاطلاق الا من هذه الجهة اي تعليق الحكم على الطبيعة المرسلة بل من جهة نفس الحكم اي الحرمة من حيث هي لاتجه ما ذكر والحاصل انه فرق بين ما لو قال يحرم مطلق التكلم اي طبيعة الكلام مع كل من هذه الجماعة أو قال يحرم التكلم مع كل منهم مطلقا فان ثبوت الرخصة في بعض منه يوجب خروجه عن العموم في الأول دون الثاني وما نحن فيه من قبيل الأول كما لا يخفى هذا مع أن الانصراف المزبور انما هو في الأخبار الواردة فيمن أراد ان يقرء الجمعة فقرء قل هو الله أحد حيث إن المنساق إلى الذهن إرادة انه قرأها ناسيا عما اراده أولا دون خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد وكتاب المسائل فإنه باطلاقه يعم لحالتي السهو والعمد نعم لا يبعد ان يدعى انسباق الناسي إلى الذهن من هذه الرواية أيضا ولكن انسباقه بدوي يدفعه ظهور الخبر في كون مناط الحكم اي الامر بقطع السورة التي اخذ فيها والرجوع إلى الجمعة والمنافقين هو ما ذكر في صدر الخبر من أنه يقرء في الجمعة بالجمعة والمنافقين بل لو كان في العبارة التصريح بالاخذ في غيرهما نسيانا لقضت المناسبة المزبورة بان القيد جار مجرى العادة لا مدخلية له في سببية للحكم كما لا يخفى وخبر الدعائم أيضا بظاهره يعم الحالتين فالقول باختصاصه بالناسي ضعيف تنبيه متى عدل عن سورة وجب عليه إعادة البسملة أيضا لما عرفت فيما سبق من أن البسملة التي قصد بها سورة لا تصح وقوعها جزء من أخرى والله العالم الخامس من افعال الصلاة الركوع وهو لغة الانحناء فعن القاموس ركع الشيخ انحنى كبرا أو كب على وجهه وافتقر بعد غنى وانحطت حاله وكل شئ يخفض رأسه فهو راكع و في مجمع البحرين ركع الشيخ اي انحنى وفي الشرع انحناء مخصوص والراكع فاعل الركوع أقول استعماله في الشرع في المعنى المخصوص بحسب الظاهر من باب اطلاق الكلي على الفرد بمعنى ان الشارع لم يستعمل الركوع الا في مفهومه العرفي وهو الانحناء ولكنه اعتبر في حق القادر بلوغه إلى حد خاص وفي حق المرأة أقل من ذلك على قول وفي حق العاجز الأقرب إليه فالأقرب كما ستعرف لا انه جعله اسما لمرتبة خاصة كي يلزمه الاشتراك على تقدير اختلافه في الأصناف وكيف كان فالمراد بالانحناء المأخوذ في مفهومه عرفا وشرعا هو الانحناء على النحو المتعارف فلو انحنى لا بهذا النحو بل بأن قوس بطنه وصدره على ظهره أو على أحد جانبيه مثلا لا يسمى ركوعا كما أن المراد به هو الانحناء الحاصل عن اعتدال قيامي أو جلوسي كما هو منصرف لفظ الانحناء أو مناط صدقه فلو نهض الساجد أو الجالس بهيئة الركوع إلى أن بلغ حده لا يقال إنه ركع لأنه اعتبر في مفهومه الانحطاط والخفض كما لا يخفى على من لاحظ موارد استعمالاته الحقيقية والمجازية في العرف والشرع ويتفرع على هذا جملة من الاحكام التي سيأتي التعرض لها في محلها إن شاء الله وهو واجب بالضرورة من الدين في كل ركعة بل هو من مقومات صدق الركعة فلا تكون الركعة ركعة الا به أو ببدله مرة واحدة الا في صلاة الكسوف والآيات فإنه يجب في كل ركعة منها خمس ركوعات كما ستعرف تفصيلها إن شاء الله وهو ركن في الصلاة تبطل بالانحلال به عمدا وسهوا على تفصيل سيأتي ذكره في احكام الخلل إن شاء الله والواجب فيه اما شرعا أو لتوقف مفهومه عليه خمسة أشياء الأول ان ينحني بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه اما أصل الانحناء فهو من مقومات مفهوم الركوع عرفا وشرعا كما عرفت واما تحديده بهذا الحد فهو اجمالا مما لا خلاف فيه على الظاهر بل عن جملة من الأصحاب دعوى الاجماع عليه الا ان كلماتهم في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية لا تخلو عن نوع اختلاف فعن جملة منهم التعبير بنحو ما وقع في عبارة المتن من اعتبار الانحناء بقدر ما يمكن وضع يديه على ركبتيه منهم الشهيد في الذكرى مدعيا عليه الاجماع والعلامة في القواعد والتحرير والمنتهى ناسيا هذا القول إلى أهل العلم كافة الا أبا حنيفة فإنه أوجب مطلق الانحناء وحكى عن غير واحد منهم المصنف في المعتبر انهم قالوا الواجب فيه الانحناء قدرا تصل معه كفاه ركبتيه وعن المعتبر انه بعد التحديد المزبور قال اما التحديد المذكور فهو قول العلماء كافة الا أبا حنيفة وعن العلامة في عدة من كتبه أنه قال يجب فيه الانحناء إلى أن تبلغ راحتاه ركبتيه مدعيا في بعضها الاجماع عليه الا من أبي حنيفة واستظهر غير واحد من التحديد الذي وقع في المتن القول بكفاية مسمى وضع اليد ولو برؤس الأصابع وفيه نظر إذ لا يبعد ان يدعى انصرافه إلى الراحلة ولا أقل من إرادة مقدار معتد به من اليد لا جزء منها من رؤس الأصابع بل المتبادر من التحديد الثاني أيضا ليس الا ذلك فالذي يغلب على الظن ان الاختلاف انما هو في مجرد التعبير كما يفصح عن ذلك ما ادعوه من الاجماع على كل منها وجعلوا الخلاف منحصرا في أبي حنيفة فان من المستبعد ادعائه على تقدير اختلاف ما أرادوه من العبائر المختلفة خصوصا مع صدورها من شخص واحد فالظاهر أن مراد الجميع هو بلوغ الراحتين إلى الركبتين وقد تصدى بعض متأخري المتأخرين لايراد جملة من الشواهد من كلماتهم لاثبات ما ذكر ولا يهمنا الإطالة
(٣٢٥)