ان المقصود بالأصالة هو خصوص الانحناء الحاصل عند انتهاء الهوى أو الهيئة الحاصلة به فلا يكاد يفهم من ذلك فما جزم به غير واحد من كون هوى الركوع كهوى السجود من المقدمات منهم العلامة الطباطبائي في منظومته مفرعا على ذلك صحة الركوع فيما لو هوى لغير الركوع ثم نوى الركوع حيث قال ولو هوى لغيره ثم نوى صح كذا السجود بعد ما هوى إذ الهوى فيهما مقدمة خارجة لغيرها ملتزمة كأنه جزم في غير محله مع أن ما فرعه عليه لا يخلو عن مناقشة ولذا اعترض عليه شيخنا المرتضى رحمه الله مع تسليمه كون الهوى من المقدمات بأن الظاهر من الركوع هو الانحناء الخاص الحدوثي الذي لا يخاطب به الا من لم يكن كذلك فلا يقال للمنحني انحن نعم لو كان المراد من الركوع مجرد الكون على تلك الهيئة بالمعنى الأعم من الحادث والباقي صح لكن الظاهر خلافه فالهوى وان كان مقدمة الا ان ايجاد مجموعة لا بنية الركوع يوجب عدم تحقق الركوع المأمور به لأجل الصلاة انتهى فان عجز عن الانحناء أصلا اقتصر على الايماء بالرأس ان تمكن والا فبالعينين تغميضا للركوع وفتحا للرفع منه كما تقدم شرح ذلك مفصلا في مبحث القيام فلا نطيل بالإعادة ولو كان كالراكع خلقة أو لعارض من كبر أو مرض ونحوه وجب ان يزداد ركوعه يسير انحناء كما عن العلامة في جملة من كتبه والشهيدين والعليين وجملة ممن تأخر عنهم ليكون فارقا بين قيامه وركوعه وقد أشرنا في مبحث القيام إلى أن قيام من كان بهيئة الراكع ليس الا استقامته بحسب حاله فيجب عليه حال القراءة وكذا قبل الركوع وقوفه بهذه الهيئة ان لم يتمكن من الاتيان بمرتبة فوقها والا فيأتي بما هو الأقرب إلى الاعتدال فالأقرب مما يسعه اما لكونه قياما حقيقيا بالإضافة إليه أو ميسوره الذي لا يسقط بمعسوره ولا يتحقق الركوع عرفا ممن كان قيامه بهذه الهيئة الا ان يريد انحنائة ولو يسيرا فإنه ما دام بقائه على هذه الهيئة لا يقال عليه انه ركع وان نواه بخلاف ما لو انحنى بقصد الركوع كما لا يخفى على من لاحظ حال مثل هذه الاشخاص في صلاتهم وكذا حال العرف والاشخاص الذين جرت عادتهم بالركوع والسجود تواضعا للجبابرة والملوك فلو امر المولى عبيده بقيامهم عند حضوره وركوعهم له عند توجهه إليهم بوجهه كما جرت عليه سيرة أهل الفرس بالنسبة إلى أمرائهم لعرف كل منهم ما هو تكليفه بحسب حاله والحاصل انه لا يصدق اسم الركوع عرفا بالنسبة إلى مثل هذا الشخص ما لم يزد في انحنائه وتحديد الركوع شرعا أو عرفا بان ينحني إلى أن بلغت يداه ركبتيه انما هو في الافراد الشائعة دون من وصلت يداه ركبتيه بلا انحناء اما لطول يديه أو لانحناء ظهره فإنه خارج عن مورد حكم العرف ومنصرف النصوص والفتاوي فيفهم حكمه اما بالمناسبة وتنقيح المناط كما في طويل اليدين أو بالرجوع إلى العرف في صدق مسمى الركوع اخذا باطلاق أدلته بالنسبة إلى من لم يثبت له حد شرعي ومن هنا يتجه ما حكى عن المحقق الثاني من التردد في حكم من كان انحناه على أقصى مراتب الركوع حيث قال ففي ترجيح الفرق أو هيئة الركوع تردد انتهى فان الفرق مع الخروج عن الهيئة وان لم يكن مجديا ولكن يمكن ان يدعى ان الهيئة معتبرة لدى العرف في غير مثل هذا الشخص واما بالنسبة إليه فمناط الصدق لديهم هو الفرق بين حاليته وان كان الأظهر إناطة الصدق بكلا الامرين فمن كان بهذه الهيئة فان أمكنه من غير حرج ومشقة تغيير هيئته والانتقال إلى حالة أقرب إلى القيام ولو بالاعتماد على عصى ونحوه وجب عليه ذلك حين قرائته وقبل ركوعه وان لم يكن تلك الحالة أيضا خارجة عن هيئة الركوع كما عرفته في مبحث القراءة فيزيد انحنائه للركوع بحيث لا يخرج عن هيئته وان لم يتيسر له ذلك فهو كمن لا يتمكن من تغيير هيئته بزيادة انحنائه أو نقصه والمتجه فيه انه يؤمي لركوعه لتعذر تنجز التكليف بالركوع في حقه بعد فراغه من القراءة لا لكون امرا بتحصيل الحاصل بل بفعل الممتنع لما أشرنا إليه في صدر المبحث من أن الركوع ليس أسماء لمطلق هذه الهيئة بل لفعل الانحناء الحاصل عن اعتدال حقيقي أو حكمي وهو متعذر في حقه فان منعنا صدق اسم الركوع أو ميسوره عرفا على زيادة الانحناء وجب الالتزام بسقوط هذا التكليف وثبوت بدله لما عرفت الا ان المنع في غير محله ويكف كان فقد حكى عن الشيخ في المبسوط والمصنف في المعتبر والعلامة في بعض كتبه الاخر وكشف اللثام والمدارك ومنظومة العلامة الطباطبائي انه لا يجب على من كان بهيئة الراكع زيادة الانحناء بل يكتفي بمجرد القصد وقواه في الجواهر مستدلا عليه بالأصل وبانه قد تحقق فيه حقيقة الركوع وانما المنتفي هيئة القيام ثم قال وما في جامع المقاصد من أنه لا يلزم من كونه على حد الركوع ان يكون ركوعا لأن الركوع من فعل الانحناء الخاص ولم يتحقق ولان المعهود من صاحب الشرع الفرق بينهما ولا دليل على السقوط ولظاهر قوله عليه السلام فاتوا منه ما استطعتم وما دل على وجوب كون الايماء للسجود اخفض بينه على ذلك يدعه ان المراد بالركوع هنا هيئة الركوع لا فعله إذ هو على كل حال لم يتحقق وان زاد الانحناء اليسير ضرورة عدم كونه ركوعا فيوجه التكليف حينئذ إلى خطابه على هذا الحال بعد القراءة مثلا بمعنى لا يجلس أو ينام أو يسجد أو نحو ذلك مما ينافيها فلا تحصيل للحاصل حينئذ والفرق بينهما واقعي لا شرعي والنبوي لا دلالة فيه على ما نحن فيه والقياس على ايماء السجود مع أنه مع الفارق لا يجوز الاخذ به انتهى وفيه ما عرفت من أن الركوع ليس اسما لمطلق هذه الهيئة كي يقال إن حقيقته متحققة بل لفعل الانحناء دخل في تحققه شرطا أو شطرا والا للزم ان يصدق على المخلوق منحنيا حين وقوفه على قدميه بل على كل من أوجد هذه الهيئة باي كيفية يكون ولو برفع رأسه عن الأرض ونهوضه بهيئة الراكع انه ركع وهو ليس كذلك بديهة ومت لم يصدق فعل الركوع على ايجاد هذه الهيئة حين حدوثها كيف يقع ابقائها امتثالا فلامر بالركوع بل نقول زيادة على ما سبق انه لو علم المنحني البالغ يداه ركبتيه كونه مشمولا للخطاب باركعوا الذي معناه الامر بالانحناء لا يفهم من ذلك بالنسبة إلى نفسه الإرادة زيادة الانحناء لا الوقوف على قدميه حافظا لهيئته كما لا يخفى واما ما في كلام جامع المقاصد من الاستدلال بالنبوي فهو في محله بناء على كون الركوع اسما لمجموع الانحناء الحاصل تدريجا لا خصوص جزئه الأخير ولعله ملتزم بذلك كما يستشعر من كلامه واما استشهاده بما دل على أخفضيته ايماء السجود فهو لأجل الاستيناس والتقريب إلى الذهن لا الاستدلال كي يتوجه عليه ما ذكر فليتأمل الثاني مما يجب في الركوع الطمأنينة فيه بقدر ما يؤدي
(٣٢٨)