يقول بينا انا وأبي متوجهين إلى مكة فتقدم أبي في موضع يقال له ضجنان إذ جائني رجل في عنقه سلسلة يجرها فاقبل علي فقال اسقني فسمعه أبي فصاح بي فقال لا تسقه لا سقاه الله فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحه على وجهه في أسفل درك من النار فقال أبي هذا الشامي لعنه الله وفي الحدائق المراد بالشامي في الخبرين المذكورين هو معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله عز وجل في صورة الحاقة انتهى وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في أصل الحكم وانه على سبيل الكراهة واما موضوعه فاما البيداء فهي على ما صرح به غير واحد على ميل من ذي الحليفة مما يلي مكة قال ابن إدريس في السرائر في تعداد ما يكره فيه الصلاة والبيداء لأنها ارض خسف على ما روى في الاخبار ان جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله فيخسف الله تعالى به تلك الأرض وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو ذو الحليفة ميل واحد وهو ثلث فرسخ فحسب قال وكذلك يكره الصلاة في كل ارض خسف ولهذا كره أمير المؤمنين عليه السلام الصلاة في ارض بابل انتهى واما ذات الصلاصل ففي السرائر الصلاصل جمع صلصال وهي الأرض التي لها صوت ودوي وعن المنتهى أيضا تفسيرها بذلك وقيل إنه الطين الحر المخلوط بالرمل فصار يتصلصل وبه فسره الشهيد على ما حكى عنه وعن الجوهري نقله عن أبي عبيدة وكذا عن القاموس أقول فكأن غرض الأصحاب بذكر هذه التفسيرات بيان وجه المناسبة والا فظاهر كلماتهم كظواهر النصوص انها اسم لموضع مخصوص فيما بين الحرمين وفي الحدائق بعد ان أشار إلى ما ذكر قال الا اني لم أقف على تعيينه في الاخبار ولا في كلام أحد من أصحابنا الأبرار انتهى أقول فالأحوط ترك الصلاة في كل موضع اتصف بشئ من الوصفين الذين عرف بهما ذات الصلاصل مما هو واقع فيما بين الحرمين والله العالم واما وادي ضجنان ففي الحدائق ضبطه بعضهم بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة اسم جبل بناحية مكة انتهى وفي السرائر هو جبل بتهامة واما وادي الشقرة ففي السرائر بفتح الشين وكسر القاف وهي واحدة الشقر وهو شقايق النعمان قال الشاعر وعلى الجبل وما كالشقر يريد كشقائق النعمان والأولى عندي ان وادي الشقر موضع بعينه مخصوص سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن وليس كل واد يكون فيه شقائق النعمان يكره الصلاة فيه بل الموضع المخصوص فحسب وهو بطريق مكة لأن أصحابنا قالوا يكره الصلاة في طريق مكة بأربعة مواضع من جملتها وادي الشقرة ثم استشهد لمختاره بما ذكره ابن الكلبي النسابة حيث جعل ذا الشقرة اسما لموضع انتهى وعن العلامة في المنتهى الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحدة الشقر وهو شقائق النعمان وكل موضع فيه ذلك تركه الصلاة فيه وقيل وادي الشقرة موضع مخصوص بطريق مكة ذكره ابن إدريس والأول أقرب لما فيه من اشتغال القلب بالنظر إليها وقيل هذه موضع خسف فنكره الصلاة فيها لذلك انتهى أقول قد تقدم في خبر عمار تعليل النهي بان فيه منازل الجن فهو المعول عليه وظاهره إرادة موضع مخصوص وان أمكن حمله على إرادة الجنس ولكنه خلاف المتبادر الا انه ليس في الاخبار اشعار بكونه في طريق مكة ولكنك سمعت من الحلبي التصريح بذلك وفي كتاب مجمع البحرين أيضا التصريح به قال في الحديث نهى عن الصلاة في وادي الشقرة هو بضم الشين وسكون القاف وقيل بفتح الشين وكسر القاف موضع معروف في طريق مكة قيل إنه والبيداء ضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وانها من المواضع المغضوب عليها انتهى وكذا نكره الصلاة في الثلج كما يشهد له مرسلة عبد الله بن الفضل المتقدمة في صدر المبحث وموثقة عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي على الثلج قال لا فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه و خبر أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام ان رجلا اتى أبي جعفر عليه السلام فقال أصلحك الله انا نتجر إلى هذه الجبال فنأتي أمكنة لا نقدر ان نصلي الا على الثلج فقال عليه السلام أفلا ترضى أن تكون مثل فلان يرضى بالدون ثم قال لا تطلب التجارة في ارض لا تستطيع ان تصلي الا على الثلج وقد يقال إن الظاهر أن النهي عن الصلاة على الثلج وقد يقال إن الظاهر أن النهي عن الصلاة على الثلج في الاخبار محمول على التحريم أريد بها النهي عن صلاة ذات سجود عليه فيستفاد حينئذ من موثقة عمار ان السجود على الثوب عند تعذر الأرض مقدم على السجود على الثلج كما لا يبعد الالتزام به خصوصا إذا كان قطنا أو كتانا وربما يؤيد الحمل المزبور بعض الأخبار الناهية عن السجود على الثلج كرواية داود الصرمي المروية عن الكافي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني اخرج في هذا الوجه وربما لم يكن موضع أصلي فيه من الثلج قال إن أمكنك ان لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه وان لم يمكنك فسوه واسجد عليه وعن الصدوق انه روى باسناده عن داود الصرمي عن أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام وعن الشيخ رحمه الله باسناده عن أحمد بن محمد عن داود الصرمي قال قلت لأبي الحسن وذكر الحديث ورواية منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال قلت لأبي جعفر عليه السلام انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج فنسجد عليه فقال لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا وخبر معمر بن خلاد قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن السجود على الثلج فقال لا تسجد في السبخة ولا على الثلج ولكن يتوجه عليه ان المتبادر من الأخبار الناهية عن الصلاة على الثلج انما هو المنع عنها من حيث هي وهي صادقة عند وضع شئ مما يصح السجود عليه موضع جبهته كيف ولو كان المانع منحصرا في أن الثلج مما لا يصح السجود عليه لم يكن ذلك مقتضيا للنهي عن طلب التجارة في تلك الأراضي بل كان مقتضيا لأن يأمره بان يتخذ معه شيئا مما يصح السجود عليه من تربة أو حجارة أو عود ونحوها فلعل حكمه الحكم في لتمكن من كمال الاستقرار أو عدم حصول التوجه والاقبال لما يجده من ألم البرد ما لم يكن على الثلج حائل من ثوب ونحوه إلى غير ذلك من المناسبات المقتضية للكراهة واما الأخبار الناهية عن السجود على الثلج فلا تنهض شاهدة لصرف تلك الأخبار عن ظاهرها إذ لا تنافي بين مفاديهما بل قد يدعى ان المراد بهذه الاخبار أيضا النهي عن الصلاة على الثلج فيكون اطلاق السجود عليها من قبيل اطلاق الرقبة على الانسان كما هو شايع في الاخبار وكفاك شاهدا على ذلك قوله صلى الله عليه وآله جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وهذا الاستعمال وان كان مجازا ولكن ربما يشهد له بعض القرائن الداخلية ولكنه لا يخلو عن تأمل نعم لو كان لتلك الأخبار قوة ظهور في الحرمة لأمكن ان يجعل ذلك قرينة على إرادة الصلاة المشتملة على السجود على الثلج حيث لا يمكن الالتزام بحرمتها على الاطلاق بعد ان لم يعرف القول به عن أحد وكونه في حد ذاته امرا مستبعدا لا ينسبق إلى الذهن ارادته من الأخبار المطلقة ولكنك خبير بأنه ليس لها قوة ظهور في ذلك بل سوقها يشهد بإرادة الكراهة وكيف كان فابقاء الأخبار الناهية
(١٨٩)