وانظار العرف سجودا على المأكول فيزول هذا الحكم عند الانفصال بزوال علته وحكى عن العلامة في التذكرة والمنتهى انه جوز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن و علله في المنتهى بكونهما غير مأكولين وفي التذكرة بان القشر حائل بين المأكول والجبهة وفيهما ما عرفت بل الظاهر صدق المأكول على الثمرة قبل استكمالها وتعارف اكلها كما ربما يؤيده تعليق الحكم على الثمرة في المرسل المتقدم في خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكل نبات الا الثمرة وفي صحيحة زرارة المتقدمة ولا على شئ من ثمار الأرض ولكن لا يبعد دعوى انصرافها إلى ما كان صالحا للاكل ولو بالقوة القريبة كما انها منصرفة عما ليس بمأكول أصلا كثمرة الشوك ونحوه من النباتات جزما ولو لم نقل بانصرافها في حد ذاتها لتعين صرفها إلى ذلك جمعا بينهما وبين المستفيضة المتقدمة الدالة على جواز السجود على ما أنبتت الأرض مطلقا عدى ما اكل وما يقال من أنه لا تنافي بين ما استثنى فيه المأكول من النصوص وما استثنى فيه الثمرة الا بالعموم والخصوص المطلق فلو لا انسباق المأكول من الثمرة لكان المتجه استثنائها لا خصوص المأكول منها ففيه ان التنافي في مثل هذه الموارد ينشأ من قبل الحصر المستفاد من الاستثناء لا من نفس الاستثنائين توضيح ذلك بان لنا في المقام طائفتان من الاخبار الأولى ما وقع فيها استثناء ما اكل ولبس مما أنبتت الأرض والثانية ما اشتملت على استثناء مطلق الثمرة وكل منها بواسطة ما فيها من الاستثناء ينحل إلى عقدين ايجابي وسلبي اما العقد الايجابي وهو عمدة ما سبق له الكلام فمن الأولى انه يجوز السجود على ما عدى المأكول والملبوس مما انبتته الأرض مطلقا ثمرة كانت أم غير ثمرة ومن الثانية انه يجوز على ما عدى الثمرة منه مطلقا والعقد السلبي من الأولى انه لا يجوز السجود على المأكول والملبوس مما انبتته الأرض ومن الثانية انه لا يجوز على الثمرة ومن الواضح انه لا مناقضة بين الايجابيين ولا بين السلبيين وانما التنافي بين العقد الايجابي من الأولى والسلبي من الثانية بناء على كون الثمرة أعم مطلقا من المأكول كما هو المفروض فلابد في رفع التنافي اما من رفع اليد عن ظاهر الحصر وارتكاب تخصيص اخر في المستثنى منه زايدا على التخصيص الذي تضمنه الكلام أو تقييد الثمرة بما إذا كانت مأكولة ولا شبهة ان الثاني أولى كما انا ان قلنا بان المأكول أيضا أعم من وجه من الثمرة لصدقة على الخس وأشباهه مما لا يعد في العرف ثمرة لتحقق التنافي بين العقد الاثباتي من الثانية حيث تدل على جواز السجود على ما عدى الثمرة مطلقا والعقد السلبي من الأولى فلابد في مقام الجمع اما من تقييد المأكول الذي نهى عن السجود عليه بما إذا كان ثمرة أو التصرف في ظاهر ما دل على انحصار ما هو الخارج عن عموم ما انبتته الأرض بالثمرة اما بارتكاب التخصيص في المستثنى منه بالنسبة إلى ما عدى الثمرة من المأكول أو التوسع في الثمرة بحملها على إرادة مطلق المأكول وتخصيصها بالذكر للجري مجرى الغالب ولكن يبعد الأول اي تقييد المأكول بكونه ثمرة اطلاق فتاوي الأصحاب المعتضدة بظاهر صحيحة هشام المشتملة على التعليل القاضي بإناطة المنع بالمأكولية لا بكونه ثمرة كما لا يخفى وهل المراد بما انبتته الأرض ما كان من جنسه فيعم المخلوق معجزة أو النابت على وجه الماء فيه تردد فقد يغلب على الظن التعميم ولكن المنع أشبه والله العالم وفي القطن والكتان روايتان اي صنفان من الروايات أشهرهما رواية وفتوى المنع بل لعله هو المشهور بين الأصحاب بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه اما اخبار المنع فمنها الاخبار الحاصرة لما يجوز السجود عليه مما أنبتت الأرض فيما عدى المأكول والملبوس كصحيحتي هشام وحماد المتقدمتين فان القدر المتيقن مما أريد استثنائه من النبات بما لبس انما هو القطن والكتان ولو في الجملة اي بعد نسجهما بل قد يدعى انصرافه اليهما بالخصوص كما سيأتي التكلم فيه ومنها خبر الأعمش وأبي العباس المتقدمان المصرحان باستثناء القطن والكتان مما أنبتت الأرض وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة ولا على الثوب الكرسف واما اخبار الجواز فمنها رواية داود الصرمي قال سئلت أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على القطن والكتان من غير تقية فقال جائز وخبر الحسين بن علي كسيان الصنعاني قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسئله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة فكتب إلي ذلك جائز وعن الشيخ حملهما على الضرورة وحمل الضرورة في كلام السائل على ضرورة المهلكة وخبر منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال قلت لأبي جعفر عليه السلام انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه قال لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا وليس في قوله انا نكون بأرض باردة شهادة بإرادته في مقام الضرورة إذ لا ملازمة عقلا ولا عادة بين كونه في تلك الأراضي وعدم تمكنه حال الصلاة من تحصيل ما يصح السجود عليه كي ينزل عليه اطلاق الجواب وخبر ياسر الخادم قال مر بي أبو الحسن عليه السلام وانا أصلي على الطبري و قد ألقيت عليه شيئا اسجد عليه فقال لي مالك الا تسجد عليه أليس هو من نبات الأرض أقول هذه الرواية في حد ذاتها لا تدل على المدعى فإنه يصح اطلاق الطبري على كل شئ منسوب إلى طبرستان ولكن مقتضى ذكر العلماء هذه الرواية في هذا الباب وارتكاب التأويل فيها بالحمل على التقية ونحوها كما عن الشيخ وغيره كونه اسما لجنس معهود متخذ من القطن أو الكتان كما ربما يؤيده ما في كتاب مجمع البحرين حيث قال في تفسيره لعله كتان منسوب إلى طبرستان انتهى ولكن حكى عن مولى مردان الطبري و غيره انه هو الحصير الذي يضعه أهل طبرستان فعلى هذا يكون الخبر أجنبيا عما نحن فيه وكيف كان فقد حكى عن غير واحد حمل اخبار المنع على الكراهة جمعا بينها وبين اخبار الجواز وهو لا يخلو عن وجه ولكن الأوجه حمل اخبار الجواز على التقية فان الاخبار بظاهرها من الاخبار التي تعد لدى العرف من الاخبار المتعارضة التي أمرنا فيها بالرجوع إلى المرجحات فان أهل العرف يرون المناقضة بين نفي الباس عن السجود على القطن والكتان وذكرهما في سلك مالا يجوز السجود عليه في الروايات المسوقة لبيان ما يجوز السجود عليه وما لا يجوز والترجيح لاخبار المنع من وجوه فليحمل اخبار الجواز على التقية ولا ينافيها ما في الخبرين الأولين من السؤال عن جوازه في غير مقام التقية والضرورة فان هذا ان لم يكن مؤيدا لاحتمال التقية في الجواب فهو غير موهن له لأن كل من سئل الإمام عن حكم شئ انما يريد حكمه الواقعي الثابت له لا لضرورة أو تقية فعلى الإمام عليه السلام بيان حكمه الواقعي ان لم يكن هناك مانع عن اظهاره والا فبحسب ما يقتضيه المصلحة من التقية في الحكم أو في المحكوم به كما لا يخفى وربما يجمع بينها بحمل اخبار الجواز على الضرورة وهو في غاية البعد بالنسبة إلى الخبرين الأولين فان تنزيل اطلاق نفي الباس على ارادته لدى الضرورة كما ترى خصوصا مع وقوع السؤال في ثانيهما عن جوازه بلا ضرورة
(١٩٩)