بين مخالفة الترتيب عمدا والعزم على فعل الصلاة المبرئة لذمته والا لم يتحقق التشريع بتقديمه للسورة لأن حصول التشريع بذلك موقوف على قرائتها بقصد جزئيتها للصلاة المأتى بها امتثالا لامر الله إذ لولا ايقاعها بهذا الوجه لا يندرج في موضوع التشريع ضرورة ان الاتيان بها لا بقصد الجزئية أو بقصد جزئيتها لصلاة غير تامة الاجزاء والشرائط اي الصلاة الفاسدة الغير المأمور بها في الشريعة ليس بتشريع فالتشريع انما يتحقق فيما لو كان عازما على أداء الصلاة وقدم السورة على الفاتحة بقصد كونه جزء منها وهذا النحو من القصد انما يعقل تحققه من العامد العالم بمخالفة عمله لما هو المشروع في حقه بعد بنائه على المسامحة والمساهلة في الأحكام الشرعية وتنظيرها على المقاصد العرفية التي يتسامح فيها بمثل هذه التغييرات لا مع الالتفات التفصيلي إلى مخالفة عمله للمشروع (وبطلانه) فان للتصورات التفصيلية آثارا ليس لها تلك الآثار لدى اجمالها فقد ترى المكلف المتسامح في عمله يقدم الصلاة على وقتها عند مزاحمتها لما يقصده بعد الوقت من سفر ونحوه وقد يمسك من الاكل مقدارا من أول الليل عوضا عن الافطار الصادر ومنه في أول يومه الذي يجب فيه الصوم أو ينوي التقريب بصلاته التي يعلم اجمالا باختلال كثير من اجزائها وشرائطها إلى غير ذلك من الأمور التي كثيرا ما يصدر من المتسامحين في الدين قاصدين بها الخروج عن عهدة تكاليفهم مع عملهم بعدم موافقتها لها الا بالمسامحة وملخص الكلام ان من خالف الترتيب وقدم السورة على الحمد بانيا على الاقتصار عليها وعدم قرائتها بعد الحمد فان نوى بذلك ابطال صلاته وعدم الاتيان بها على النحو المقرر في الشريعة فلا يكون عمله تشريعا بل يندرج في موضوع المسألة الباحثة عن أن نية الاخلال بالصلاة وابطالها هل هي مبطلة أم لا وقد تقدم تحقيقه في محله وعرفت فيما تقدم انها بنفسها غير مبطلة ولكنه لا اعتداد بالافعال الماتى بها مع هذه النية بل عليه تداركها مع الامكان كما تقدم الإشارة إليه انفا وان نوى به الاتيان بذلك الجزء الذي محلها بعد الفاتحة من باب المسامحة وعدم الاعتناء بالاختلاف الناشي من هذا النحو من التغيير فيندرج في موضوع مسئلتنا ويتحقق به عنوان التشريع ولا يكون فعله منافيا لبقاء عزمه على أداء الصلاة فلا مقتضى حينئذ لاستيناف القراءة فليتأمل تنبيه حكى عن الذكرى انه بعد ان حكم بالبطلان في صورة العمد قال لو لم تجب السورة لم يضر التقديم على الأقرب لأنه اتى بالواجب وما سيق قران لا يبطل الصلاة نعم لا يحصل له ثواب قراءة السورة بعد الحمد ولا يكون مؤديا للمستحب انتهى واعترض عليه بعدم الفرق بين القول بوجوب السورة أو استحبابها في حصول الزيادة (العمدية) التشريعية لو قدمها بنية الجزئية كما هو مناط البطلان لدى القائلين به ويمكن دفعه بمنع حصول الزيادة على تقدير الاستحباب لما أشرنا إليه من أن العامد العالم بمخالفة تقديم السورة على الحمد للمشروع لا يتأتى منه قصد كون السورة التي قدمها على الحمد جزء من صلاته التي قصد بها التقرب الا بعد بنائه مسامحة على جواز تقديمها ببعض القياسات والمناسبات التي لا يلتفت إليها شرعا وعرفا لولا المسامحة فلو بنينا على استحباب السورة يكون حالها في الواقع كذلك فان مطلوبيتها بعد الحمد ليس الا بعنوان كونها شيئا من القران وهي بهذا العنوان مطلوبة في الصلاة مطلقا لاستفاضة النصوص على مشروعية مطلق القراءة والذكر والدعاء في الصلاة وظهور بعض أدلتها في صيرورتها من اجزائها المستحبة لا مستحبا خارجيا واقعا في أثنائها فيكون مطلوبية مقدار خاص منها ان قراءة سورة كاملة بعد الحمد من باب الأولوية والفضل فلو قدمها ولو بقصد الجزئية لا يتحقق به زيادة ولا تشريع ولكن لا يحصل به ثواب قراءة السورة بعد الحمد ولا يكون مؤديا لهذا المستحب ولو سلمنا حصول الزيادة المبطلة فإنما هي لو أعادها أو غيرها بعد الحمد إذ لو اكتفى بما قرأه قبل الحمد لا يتحقق عنوان الزيادة عرفا وحيث لا يتعين عليه القراءة بعد الحمد على القول بالاستحباب لا يلزم من تقديمه للسورة بطلان صلاته حيث يجوز له تركها بعد الحمد بل يجب بناء على حصول الزيادة المبطلة بإعادتها وكلام الشهيد منزل على صورة الاكتفاء بما قرأه أولا كما يشهد له حكمه بعدم استحقاقه اجر قراءة السورة بعد الحمد واما على القول بالوجوب حيث يدور امره بين الاخلال بترك جزء أو الزيادة العمدية لا يعقل بقائها بصفة المطلوبية كي يوصف بالصحة فليتأمل ولا يجوز ان يقرء في الفرائض شيئا من سور العزائم على المشهور بين أصحابنا بل عن جملة من الأصحاب دعوى اجماعنا عليه ولم ينقل الخلاف فيه من أحد من القدماء الا من الإسكافي وتبعه بعض متأخري المتأخرين مع أن عبارة الإسكافي المحكية عنه غير صريحة في ذلك فإنه قال لو قرء سورة من العزائم في النافلة سجد وان كان في فريضة أو ماء فإذا فرغ قرئها وسجد فيحتمل الحمل على صورة السهو أو التقية الداعية لقرائتها أحيانا مضافا إلى ما عن الروض من احتمال ان يريد بالايماء ترك قراءة آية السجدة بقرينة قوله فإذا فرغ قرئها وسجد كما يناسب مذهب الإسكافي من جواز تبعيض السورة هذا ولكن لا يخفى ما في هذا الاحتمال من البعد وكيف كان فيدل على المشهور ومضافا إلى الاجماعات المستفيضة المعتضدة بالشهرة خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم فان السجود زيادة في المكتوبة وموثقة سماعة قال من قرء اقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد فإذا قام فليقرء فاتحة الكتاب وليركع وقال إذا ابتليت بها مع امام لا يسجد فيجزيك الايماء والركوع ولا تقرأ في الفريضة واقرء في التطوع وموثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرء في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم فقال إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها فان أحب ان يرجع فيقرء سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها وعن الرجل يصلي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلي لنفسه وربما قرأوا آية من العزيمة فلا يسجدون فيها فكيف يصنع قال لا يسجد وظاهرها جواز التبعيض ولكن يشكل الالتزام به لشذوذه ومعارضته بغيره مما عرفته في صدر المبحث وخبر علي بن جعفر المروي عن كتابه وعن قرب الإسناد انه سئل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل يقرء في الفريضة سورة والنجم أيركع بها أو يسجد ثم يقول فيقرء بغيرها قال يسجد ثم يقوم فيقرء فاتحة الكتاب ويركع وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرء في الفريضة بسجدة أقول سوق السؤال في هذه الرواية يقتضي بكون جواز قراءة العزائم في الصلاة لدى السائل من الأمور المسلمة المفروغ عنها
(٢٩٠)