يدل على كون التأخير متضمنا لذنب مصحح لاطلاق العفو وهو أعم من الذنب المصحح للعقاب فإنه يكفي في ذلك ارتكاب العبد مالا يناسبه في مقام العبودية بما يوجب انحطاط رتبته ولو بترك الأولى ممن يجل شانه عن ذلك كالأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام واما رواية ربعي فهي على خلاف مطلوبه أدل فأن قوله عليه السلام انا لنقدم ونؤخر في غاية الظهور في إرادة التقديم والتأخير الاختياري فقوله عليه السلام وانما الرخصة الخ بحسب الظاهر من تتمة ما يقال كما يؤيده التعبير بلفظ انما إذ لو كان المقصود به الاستدلال لجواز التأخير لم يكن يناسبه كلمة انما ولا اقحام قوله لنقدم في صدر العنوان وكذا لو كان المقصود به الاستدراك لم يكن يناسبه اقحام هذه الكلمة التي تجعل الكلام كالنص في إرادة صدور كل منهما عن اختيار هذا مع أنه لا يظن بأحد انكار الرخصة في هذه الموارد فمقصود الإمام عليه السلام بحسب الظاهر انما هو تخطئة القائل بانحصار الرخصة في هذه الموارد ومما يؤيد إرادة هذا المعنى فعل الباقر عليه السلام على ما رواه محمد بن مسلم قال ربما دخلت على أبي جعفر عليه السلام وقد صليت الظهر والعصر فيقول صليت الظهر فأقول نعم والعصر فيقول ما صليت الظهر فيقوم مترسلا غير مستعجل فيغتسل أو يتوضأ ثم يصلي الظهر ثم يصلي العصر وربما دخلت عليه ولم أصل الظهر فيقول صليت الظهر فأقول لا فيقول قد صليت الظهر والعصر واما ساير الروايات التي استشهد بها فلا يخفي ما فيها على من تأملها فان مفادها ليس الا كراهة التأخير واستحباب فعل الصلاة في أول وقتها واما العبائر التي نقلها عن الفقه الرضوي فهي مع عدم حجيتها في نفسها قابلة للحمل على الكراهة كما يؤيدها بل يعينها ما في ذيل بعض فقراتها المتقدمة الذي حكاه عنه في الحدائق في ذيل المبحث وأسقطه في هذا المقام فإنه حكى عنه في اخر المبحث أنه قال وانما جعل اخر الوقت للمعلول فصار اخر الوقت رخصة للضعيف لحال علته ونفسه وماله وهي رحمة للقوي والفارغ لعلة الضعيف والمعلول وهذه العبارة كما تريها كالتصريح بان الرخصة عمت القوي والفارغ فصارت رحمة لهما بواسطة الضعيف والمعلول ثم لو سلمت تمامية الاستدلال بجميع ما ذكر وظهورها في مدعاه فهي ليست قابلة لمعارضة الأخبار المتقدمة وغيرها مما سيأتي أو صرفها عن ظاهرها مع ما في بعضها من التصريح بكون المخاطب مرخصا في التأخير إلى اخر الوقت كما هو واضح وبهذا ظهر لك عدم صحة الاستدلال لعدم جواز التأخير عن الوقت الأول في خصوص صلاة المغرب بالاخبار المتقدمة التي استشهدنا بها على بقاء وقتها في الجملة بعد غيبوبة الشفق حيث يستشعر من جملة منها بل يستظهر من بعضها اختصاص ذلك بالمسافر ونحوه من أولي الأعذار فإنها لا تصلح لمعارضة الاخبار الظاهرة في جواز تأخيرها اختيارا التي تقدم بعضها كروايتي داود بن فرقد وعبيد بن زرارة وسيأتي بعضها الاخر المعتضدة ببعض الأخبار الدالة عليه بعمومها مضافا إلى عدم القول بالفصل بين المغرب وغيرها على الظاهر هذا مع أنه ليس في شئ من تلك الأخبار ظهور يعتد به في الاختصاص اما ما كان من قبيل قوله عليه السلام وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل أو إلى نصف الليل أو إلى خمسة أميال فإنها بحسب الظاهر مسوقة لبيان توسعة وقتها الأول في حق المسافر فلا يكره في حقه التأخير إلى ربع الليل أو ثلثه ولذا اخرها رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر إلى ستة أميال وقد اخبر الصادق عليه السلام بذلك أبا الخطاب فوضعه في الحضر كما نطق بذلك بعض تلك الأخبار وقد اخرها الصادق عليه السلام أيضا في السفر إلى ستة أميال كما في خبر إسماعيل فالظاهر أن المراد بهذه الاخبار انما هو تحديد وقتها الأول الذي يكون أفضل وقتيها واما الاخبار النافية للباس عن تأخيرها في السفر ولعلة فليس مفهومها الا ثبوت البأس في التأخير بلا عذر وهو أعم من الكراهة واما مرسلة سعيد وان كان ظاهرها في بادي الرأي هو الانحصار حيث قال وانما ذلك للمسافر والخائف ولصاحب الحاجة لكنها صدرت تعريضا على عامة أهل الكوفة الذين كانوا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق فأريد بالحصر قصر ما زعموه من نفي الحرج في تأخيرها رأسا في أولي الأعذار لا عدم جواز تأخيرها ولو على سبيل الكراهة ومما يدل على جواز تأخيرها بالخصوص اختيارا مضافا إلى ما عرفت رواية عمر بن يزيد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت المغرب فقال إذا كان ارفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك ان تؤخرها إلى ربع الليل فقال قال لي وهو شاهد في بلده وعنه أيضا قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون مع هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب فامر بالمسجد فأقيمت الصلاة فان انا نزلت أصلي معهم لم استمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة فقال ايت منزلك وانزع ثيابك وان أردت ان تتوضأ فتوضأ وصل فأنك في وقت إلى ربع الليل وعنه أيضا قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وانا أريد المنزل فان أخرت الصلاة حتى أصلي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء أفأصلي في بعض المساجد فقال صل في منزلك وخبر داود الصري قال كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوما فجلس يحدث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث فلما خرجت من البيت نظرت فقد غاب الشفق قبل ان يصلي المغرب ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى ورواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز ان تؤخر ساعة قال لا باس ان كان صائما افطر ثم صلى وان كان له حاجة قضاها ثم صلى ودعوى ان الأمور المفروضة في السؤال من الاعذار المبيحة للتأخير وكذا تحديث الإمام عليه السلام لعلة كان من الواجب المضيق مما لا ينبغي الالتفات إليها خصوصا مع عدم تنبيه الإمام عليه السلام على كون الحكم اضطراريا بل تعبيره في مقام الجواب في بعض هذه الموارد بما كاد ان يكون نصا في إرادة توسعة وقت الصلاة وعدم كونه من الأمور المضيقة هذا مع أن الخصم لا يرى بحسب الظاهر مثل هذه الأمور من الاعذار المبيحة للتأخير كما لا يخفى على من راجع كلماتهم ومما يدل على جواز تأخير العشاء بالخصوص اختيار مضافا إلى بعض ما عرفت رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لولا أني أخاف ان أشق على أمتي لاخرت العشاء إلى ثلث الليل وروايته الأخرى المروية عن العلل قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لولا أن أشق على أمتي لاخرت العشاء إلى نصف الليل ويدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة الآتية
(٣٤)