فلا تصلح الاخبار حينئذ مانعة عن الرجوع إلى الأصل بعد قيام احتمال كونها مسوقة لإرادة الحكم التكليفي كما هو واتضح ويحتمل ان يكون وجه عدم استفادة المشهور من هذه الأخبار الشرطية بالنسبة إلى أصل الطبيعة ما سنشير إليه عند نفي شرطية القيام وكيف كان فالانصاف ان انكار ظهور الاخبار المزبورة في الشرطية خصوصا بعضها كخبري علي بن جعفر الذين ورد في أولهما الامر بالوضوء وإعادة الإقامة وفي ثانيهما النهي عن أن يصلي بإقامته الواقعة بلا وضوء مجازفة اللهم الا ان يناقش في مثل هذه الروايات الغير القابلة للخدشة في ظهورها بضعف السند وكيف كان فالقول بالاعتبار أوفق بظواهر النصوص فمن هنا قد يحتمل ان يكون حكم المشهور بالاستحباب ناشئا من بنائهم على استحباب الإقامة في حد ذاتها فأرادوا به الاستحباب الشرعي الغير المنافي للشرطية فيكون حكمهم بالاستحباب في المقام كحكمهم عند تعداد الوضوءات المستحبة بندب الوضوء لغاياته المندوبة من صلاة ونحوها ولكنه لابد في تحقيق هذا الاحتمال من مراجعة كلماتهم فراجع وكذا يستحب ان يكون قائما على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه خبر حمران قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان جالسا قال لا يؤذن جالسا الا راكب أو مريض والمرسل المروي عن كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام قالا يؤذن الرجل وهو جالس الا مريض أو راكب ولا يقيم الا قائما على الأرض الا من علة لا يستطيع منها القيام ويؤيده صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام لا بأس للمسافر ان يؤذن وهو راكب ويقيم وهو على الأرض قائم فان تخصيص نفي الباس من المسافر مشعر برجحان القيام على الأرض بلا عذر بل مرجوحية تركه وكيف كان فهو ليس بشرط في الأذان بلا شبهة كما يدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا أو أينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة وصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أيؤذن الرجل وهو قاعد قال نعم ولا يقيم الا وهو قائم وخبر أحمد بن محمد عن عبد صالح قال يؤذن الرجل وهو جالس ولا يقيم الا وهو قائم وقال تؤذن وأنت راكب ولا تقيم الا وأنت على الأرض وموثقة أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس ان يؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولا تقيم وأنت راكب أو جالس الا من عذر أو تكون في ارض ملصة وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال تؤذن وأنت جالس ولا تقيم الا وأنت على الأرض وأنت قائم وخبره الآخر عن الرضا عليه السلام أيضا قال يؤذن الرجل وهو جالس ويؤذن وهو راكب إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه فهذا مما لا ريب فيه وانما الاشكال في الإقامة حيث إن ظاهر جل الأخبار المتقدمة اعتباره فيها وربما يشهد له أيضا غير ذلك من الاخبار كخبر يونس الشيباني عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أؤذن وانا راكب قال نعم قلت فأقيم وانا راكب قال لا قلت فأقيم ورجلي في الركاب قال لا قلت فأقيم وانا قاعد قال لا قلت فأقيم وانا ماش قال نعم ماش إلى الصلاة قال ثم قال إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة قال قلت له قد سئلتك أقيم وانا ماش قلت لي نعم فيجوز ان امشي إلى الصلاة قال نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع امام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزاك ذلك وإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة لأنه ان أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع وخبر سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع الا ان يكون مريضا وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا اخذ في الإقامة فهو في صلاة وخبر علي بن جعفر المروي عن كتابه (عن أخيه) موسى عليه السلام قال سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابة قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا حتى ينزل على الأرض و وحكى عن المفيد الالتزام بظاهر هذه الأخبار من اعتبار القيام في الإقامة لدى التمكن بل ربما يظهر من العبارة التي حكى عنه التزامه به في الأذان أيضا في الجملة قال في محكى المقنعة لا بأس ان يؤذن الانسان جالسا إذا كان ضعيفا في جسمه وطول القيام ؟؟ يضره أو كان راكبا جادا في مسيره ولمثل ذلك من الأسباب ولا يجوز له الإقامة الا وهو قائم متوجه إلى القبلة مع الاخبار انتهى والظاهر أن مراده بالبأس المفهوم من كلامه بالنسبة إلى الأذان الكراهة والا فهو شاذ محجوج بما عرفت واما بالنسبة إلى الإقامة فربما يساعده على ما ذهب إليه بظاهر كلامه ظواهر الأخبار المتقدمة ولكن المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم على ما نسب إليهم عدم اعتبار القيام فيها وكونه مستحبا اي شرطا لكمالها لا للصحة وهذا لا يخلو عن وجه فان استفادة التقييد بالنسبة إلى أصل الطبيعة في المستحبات التي لا منافاة فيها بين كون قسم خاص منها مطلوبا بخصوصه مع بقاء جنسه على صفة المطلوبية من مثل هذه الأخبار التي ورد فيها الامر بقسم خاص أعني الإقامة قائما أو النهي عما عداه اي الفاقد للخصوصية لا يخلو عن اشكال اما إذا كان المقيد بصيغة الامر ونحوه كقوله إذا قمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة وقوله يقيم وهو على الأرض قائم فواضح لما أشرنا إليه من أن الطلب المتعلق بهذا القسم إذا لم يكن الزاميا لا يكشف عن أن الإقامة التي امر بها الشارع عند كل صلاة لم يقصد بها الا خصوص ما كان بهذه الصفة بخلاف ما لو كان الزاميا فان ايجابه بالخصوص ينافي إرادة الاطلاق من مطلقة مع وحدة السبب ولذا يجب حمل المطلق على المقيد في الواجبات دون المستحبات واما إذا كان بصيغة النهي ونحوه كقوله عليه السلام لا يقيم الا وهو قائم فلان المتبادر منه في مثل هذه الموارد ليس الا إرادة الحكم الوضعي اي الارشاد إلى أن الإقامة المطلوبة شرعا لا تحصل الا بهذا (فكما يمكن لن يكون المقصود به الارشاد إلى أن ذاتها لا تحصل الا بهذا) بان يكون القيد معتبرا في ذاتها كذلك يمكن ان يكون المراد الارشاد إلى عدم حصول الفرد الذي ينبغي اختياره في مقام الامتثال اي الفرد الكامل الخالي عن المنقصة ودعوى ان المتبادر منه هو الأول ولذا نلتزم به في الواجبات والا فلا نعقل الفرق بين قوله لا تقم الا وأنت قائم مستقبل القبلة وقوله لا تصل الا وأنت قائم مستقبل القبلة حيث إن المتبادر من النهي في كل منهما الارشاد وكون متعلق أحدهما تكليفا وجوبيا والاخر استحبابيا مما لا مدخلية له بما يتبادر من هذه الصيغة بعد فرض كونه مستعملا في الارشاد وبيان شرطية القيام والاستقبال فلو جاز حمله على إرادة شرط الكمال ولم يكن ذلك مخالفا لظاهر اللفظ لجاز في كليهما مع انا لا نلتزم به في الواجبات مدفوعة أولا بالفرق بين الواجبات والمستحبات فان الأوامر والنواهي الشرعية الارشادية ليست معراة عن الطلب وكيف لا مع أنه لو صدر من الشارع كلام صريح في الارشاد كما لو قال استعمال الماء المسخن يورث البرص لكان ذلك
(٢١٤)