فكان مستندهم على تقدير صحة هذا التأويل دعوى ان المعهود المتعارف من التسليم الذي دلت الأدلة على وجوبه انما هو السلام عليكم فهدا هو السلام الذي أوجه الشارع ولكن لما كان الغرض الباعث على ايجابه حصول الانصراف به ويتأتى هذا الغرض بصيغة السلام علينا التي هي من مستحبات التشهد الأخير وليس بواجب اجماعا كما ادعاه بعض كالسلام على الأنبياء والملائكة منع ذلك عن أن يتخير التكليف بالسلام الأخير الذي لم يجب الا لأجل الانصراف بعد فراغه من التشهد فحال الصيغة الأولى التي هي من اجزاء التشهد حال الوضوء المندوب لمأتي به قبل الوقت المانع عن وجوبه بعده ولكنه لا يوجب ذلك سقوط طلبه رأسا بل يبقى بصفة المطلوبية ندبا كالوضوء التجديدي وفيه ما أشرنا إليه فيما سبق من دلالة بعض الأخبار المتقدمة على أن حصول الانصراف بالسلام علينا انما هو الاجل اندراجه في موضوع التسليم الذي جعل تحليلا للصلاة فلو سلم انصراف ما دل على وجوب التسليم إلى خصوص السلام عليك بل لو كانت هذه الصيغة بخصوصها مورد الاخبار الوجوب لتعين الغاء خصوصيتها وحمل الأدلة على الوجوب التخييري بشهادة تلك الأخبار فالقول بوجوبه عينا ولو بهذا المعنى أيضا لا يسلم عن الخدشة الا ان النزاع ح قليل الجدوى إذ لا يترتب عليه ثمرة عملية مع أن تصوير كونه مستحبا يسقط به الفرض بحيث لا يؤل إلى كونه أحد فردي الواجب المخير بل أفضلهما لا يخلو عن اشكال فليتأمل بقي في المقام الكلام فيما أشار إليه المصنف ره بقوله بأيهما بدء كان الثاني مستحبا وهذا مما لا شبهة فيه فيما لو بدء بالسلام علينا ولورود الجمع بين الصيغتين بهذه الكيفية في غير واحد من الاخبار منها موثقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل المتقدمة في اخر مبحث التشهد مع أن مشروعية الجمع بين الصيغتين بهذه الكيفية لعله من الضروريات بل لعله من ضروريات الدين وقضية جواز الاقتصار على أوليهما كما دلت عليه المستفيضة المتقدمة كون الاتيان بالثانية من باب الفضل والاستحباب فهل هي من الأجزاء المستحبة أو من المستحبات المستقلة عقيب الصلاة وجهان من ظهور أغلب أدلة استحبابها كرواية أبي بصير ونحوها في الجزئية ومن ظهور الروايات الدالة على تحقق الخروج والانصراف والفراغ من الصلاة بالسلام علينا في حصولها بعد تحقق الفراغ فيجب ان يكون مستحبا خارجيا اللهم الا ان يقال إن السلام عليكم المأتي به عقيب السلام علينا وعلى تقدير الالتزام بجزئيته للصلاة فهو ليس جزء مباينا للتسليم الذي هو اخر اجزاء الصلاة وتحليلها بل هو مكمل له كزيادة ورحمة الله وبركاته على السلام عليك بناء على استحباب هذه الزيادة كما ستعرف فالتسليم الذي يتحقق به الخروج والانصراف أدنى ما يجزي منه احدى الصيغتين وأكمله المجموع بل قد يقوى في النظر كون السلام على النبي صلى الله عليه وآله وكذا على سائر الأنبياء والملائكة من مستحبات التسليم ولكنه بنفسه لا يتحقق به الانصراف كما ربما يؤمى إلى ذلك قوله عليه السلام في موثقة أبي بصير إذا كنت اماما فإنما التسليم ان تسلم على النبي صلى الله عليه وآله تقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين الخ وفي رواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة قال سلم واحدة ولا نلتفت قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم الحديث والاخبار المزبورة بظاهرها غير منافية لهذا النحو من الجزئية كما لا يخفى على من تدبر فيها نعم ربما يظهر من قوله عليه السلام في ذيل خبر أبي بصير المتقدم فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة السلام عليكم الخ خروجه وكون المقصود به اعلام القوم يتحقق الانصراف ويحتمل ان يكون السلام الوراد في هذا الخبر مستحبا خارجيا مخصوصا بالامام كسلام شخص خارجي منصوب لحكاية افعال الامام لاعلام المأمومين فلا ينافي ذلك جزئية السلام الوارد في خبر أبي وبصير و غيره الذي لا يختص استحبابه بالامام وكيف كان فالأحوط ان لا يقصد به الجزئية ولا عدمها بل مطلق القرية هذا فيما لو بدء بالأولى واما لو بدء بالثانية ففي استحباب الاتيان بالصيغة الأولى عقيبها كما هو ظاهر المصنف والشهيد في اللمعة نظر إذ لم يدل عليه دليل كما اعترف به غير واحد اللهم ان يستدله بفتوى الفقيه من باب المسامحة على اشكال والله العالم ولو اقتصر على الصيغة الثانية فهل يجب إضافة ورحمة الله أم يجوز الاكتفاء بالسلام عليكم فيه خلاف نسب إلى الأكثر عدم اعتبار هذه الزيادة في صحة هذا الصيغة ونقل عن أبي الصلح أنه قال يجب السلام عليك ورحمة الله وعن ابن حمزة القول بزيادة وبركاته أيضا كما ربما يلوح من عبارة الكتاب ولكن نقل عن العلامة في المنتهى أنه قال ولو قال السلام عليكم ورحمة الله جاز وان لم يقل وبركاته بغير خلاف انتهى ومستند القول بالكفاية مضافا إلى الأصل وعموم أدلة التسليم الشامل لمثل هذا الفرد الذي هو أوضح افراده خصوص رواية الحضرمي عن الصادق عليه السلام قال قلت له اني أصلي بقوم فقال تسلم واحده ولا نلتفت قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليك وفي خبر عبد الله بن أبي يعفور المروي عن جامع البزنطي قال سألت أبا عبد الله عن تسليم الامام وهو مستقبل القبلة قال يقول السلام عليكم وفي ذيل خبر أبي بصير المتقدم قال ثم تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة السلام عليكم وفي موثقة يونس بن يعقوب الواردة فيمن نسي ان يسلم على من خلفه قال (ع) وان نسيت استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم وكون السلام عليكم في الخبرين الأخيرين بل وكذا في ما تقدمهما مسبوقا بالصيغة الأولى التي يجوز الاجتزاء بها في الخروج عن الصلاة غير قادح في الاستشهاد بها للمدعي فإنها كاشفة عن عمد اعتبرا الزيادة التي هي محل الكلام في قوام هذه الصيغة التي ينسبق إلى الذهن ارادتها من اطلاقات أدلة التسليم فكونها جائرة الترك في مورد هذه الأخبار غير قادح في دلالتها على ذلك اللهم ان يارد بها سلام اخر غير السلام الذي يوتى به في اخر الصلاة كما أبدينا احتماله انفا في بعض هذه الأخبار ولكنه فيما عداه لا يخلو عن بعد نعم لا يبعد ان يكون المقصود بالسلام عليكم في جميع هذه الأخبار الإشارة إلى السلام المعهود المتعارف عندهم بإسقاط جزئه الأخير تعويلا على معهوديته ولكن لا يكفي هذا الاحتمال في رفع اليد على ظاهر الاخبار من كون ما هو المذكور فيها تماما تعلق به الغرض لاجزئه وانما يعتني بمثل هذا الاحتمال في مقام الجمع بين الاخبار أو وجد دليل على وجوب الزيادة وهو مفقود إذ لم يرد هذه الزيادة الا في بعض الأخبار الحاكية للفعل القاصرة عن إفادة الوجوب كصحيحة علي بن جعفر وقال رأيت اخوتي موسى واسحق ومحمد بن جعفر يسلمون في الصلاة عن اليمين وعن الشمال السلام عليكم ورحمة الله السلام (عليكم ورحمة الله) وفي خبر ابن أذينة الحاكي لصلاة النبي صلى الله عليه وآله في المعراج
(٣٨١)