فلا فرق بين ما لو ظن جاز له التعويل عليه أو غفل عن مراعاتها أو اعتقد اعتقادا جزميا بان الجهة التي يصلي إليها قبلة سبيل الجهل المركب أو على سبيل الغفلة والاشتباه كما أنه ربما يعلم بجهة القبلة واقعا ولكن حيث الصلاة يشتبه عليه الامر فيتوهم كون جهة هي القبلة بواسطة بعض المناسبات المغروسة في ذهنه فيصلي في المسجد مثلا إلى عكس المحراب لا لخطائه في التشخيص بل لخطور كون هذه الجهة قبلة في ذهنه واشتغال قبله بالعوائق المانعة عن الالتفات إلى مخالفته للواقع ففي جميع هذه الفروض لو تبين خطائه بعد الفراغ من الصلاة وكان الانحراف يسيرا اي فيما بين المشرق والمغرب لم يعد الصلاة ولو كان كثير أعادها في الوقت لا في خارجه ولو تبين في الأثناء استقام ومضى في صلاته على التقدير الأول واستأنفها على الثاني كما عرفت اما ما عدى الصورة الثانية اي الانحراف الكثير المتبين بعد الصلاة فواضح فان مقتضى اطلاق الأخبار الدالة على صحة الصلاة الواقعة فيما بين المشرق والمغرب خصوصا الصحيحتين الدالتين على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة في لفرق بين ما لو صلى غفلة أو خطأ بزعم كون تصلي إليه قبلة جاز ما بذلك أو ظانا إذ غاية ما ثبت بالأدلة الخارجية تخصيص ما في الصحيحتين بالنسبة إلى من تمكن حال الصلاة من تشخيص سمت الكعبة في أقل من ذلك ولم يكن معذورا في تركه كما في جميع هذه الصور واما الصورة الثانية اي الانحراف الكثير فالحكم أيضا ما عرفت من الإعادة في الوقت لا في خارجه لاطلاق بعض الأخبار المتقدمة الدالة عليه نعم ربما ينسبق إلى الذهن من أغلب تلك الأخبار إرادة الملتفت الذي اشتبه عليه القبلة حال الصلاة بواسطة الغيم أو العمي فصلى بحسب ما تقتضيه تكليفه فانكشف بعد الصلاة في الوقت أو في خارجه خطائه ولكن هذا لا يقتضي اختصاص الحكم به وقوله في بعض تلك الأخبار المفصلة بين الوقت وخارجه بعد ان نفى الإعادة في خارج الوقت فحسبه اجتهاده لا يدل على ثبوتها مطلقا عند ترك الاجتهاد حتى مع الغفلة أو الخطأ في الاعتقاد وانما يستشعر منه عدم معذوريته على تقدير المسامحة وترك الاجتهاد مع الالتفات كما هو المنساق من مورده لا مطلقا فما حكى عن بعض من الاستشكال في حكم الناسي اي الغافل عن مراعاة القبلة أو القول بوجوب الإعادة في خارج الوقت أيضا معللا ذلك بان النسيان مستند إلى التقصير بخلاف الظان لا يخلو من نظر اللهم الا ان يريد بذلك ناسي الحكم لا الغافل عن الموضوع فان المتجه الحاق ناسي الحكم بجاهله في بطلان صلاته مطلقا ولو مع الانحراف اليسير حتى مع القصور فضلا عن التقصير فان القصور يجعله معذورا من حيث المؤاخذة لا من حيث الإعادة بعد العلم والالتفات وربما يظهر من بعض الحاق جاهل الحكم بجاهل الموضوع فيما لو كان الانحراف يسيرا نظرا إلى اطلاق قوله عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبلة المقتصر في تخصيصه على العالم العامد وفيه ما عرفت في محله من أن هذا لمن لم يعلم بجهة الكعبة بل ولم يتمكن من تشخيصها لا لمن علم بها أو تمكن من تشخيصها ولكن لم يستقبلها لجهله بالحكم الشرعي و أضعف من ذلك ما عن بعض من الحاق جاهل الحكم مطلقا حتى في صورة الانحراف الكثير بالظان لاطلاق الأدلة وفيه بعد الغض عن في مكان اختصاص الحكم بالعالمين به ان المتبادر من الأدلة انما هو إرادة جاهل الموضوع لا الجاهل بالحكم نعم لو اقترن جهله بالحكم بالجهل بالموضوع بحيث جاز استناد صلاته إلى غير القبلة إلى جهله بالقبلة أمكن الالتزام بجريان التفاصيل المتقدمة في حقه على تقدير عدم كونه في الواقع متمكنا من تشخيصها كما يأتي تمام الكلام في مثل هذا الفرع في احكام الخلل إن شاء الله وربما عكس بعض فالحق ما عدى الظان عند تبين الانحراف الكثير بالعالم العامد في وجوب الإعادة في الوقت وفي خارجه بدعوى ان المتبادر من الأدلة المفصلة بين الوقت وخارجه ليس الا إرادة الحكم فيما لو صلى بظنه الاجتهادي الذي كان مأمورا بالتعويل عليه دون الغافل أو المعتقد للخلاف الذي توهم كونه مأمورا بالصلاة إلى الجهة التي اعتقد كونها قبلة وفيه ما أشرنا إليه من أن دعوى الانصراف بالنسبة إلى أغلب تلك الأخبار وان لا تخلو عن وجه لكن بالنسبة إلى بعضها كصحيحة عبد الرحمن وما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام غير مسموعة وعن الشيخ الاستدلال لالحاق ناسي الاستقبال بالظان بحديث رفع الخطأ والسهو والنسيان وفيه بعد الغض عن بعض المناقشات الواردة على الاستشهاد بهذا الحديث لنفي شرطية المنسي المذكورة في محلها ان قوله عليه السلام في صحيحة زرارة لا تعاد الصلاة الا من خمسة الوقت والظهور والقبلة والركوع والسجود حاكم على هذا الحديث فان مورده السهو ضرورة عدم اختصاص الاخلال العمدي بهذه الخمسة فلا يعارضه عموم حديث رفع الخطا كما لا يخفى المسألة الثالثة إذا اجتهد لصلاة فميز جهة القبلة بامارة ظنية وقد دخل وقت صلاة أخرى فان تجدد عنده شك بان ظهر ضعف مستنده أو فساده وعدم صلاحيته لإفادة الظن أو وجد ما يعارضه أو ذهل عن مستنده فعرضه الشك استأنف الاجتهاد لأنه عند انسداد باب العلم بجهة القبلة حقيقة أو حكما مأمور بالتحري وبذل الجهد في معرفتها كما عرفته ومقتضاه وجوب تحديد النظر في الصور المفروضة بل لو اجتهد لصلاة وتجدد الشك قبل التلبس بها أو وجد امارة أخرى ولو احتمالا تفحص عنها مجددا إذ لا يتحقق التحري والاجتهاد الا بذلك ودعوى ان مقتضى اطلاق قوله عليه السلام اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك ويجري التحري ابدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة وغير ذلك من أدلة الاجتهاد كفاية مطلقه لمطلق الصلاة مدفوعة بان قضية شرطية الاستقبال لكل صلاة لزوم احرازه عند كل صلاة اما بالعلم أو ما قام مقامه اي الظن الحاصل بالتحري والاجتهاد فليس معنى قوله عليه السلام يجزي التحري ابدا انه يجري حصوله في وقت لمطلق الصلاة ابدا حتى مع زوال ظنه بل معناه ان تحصيل ما هو الأخرى وتشخيص القبلة بحسب ما يؤدي إليه اجتهاده يكون كالعلم بالقبلة مجزيا واضعف من ذلك التمسك باستصحاب حكم ظنه السابق ضرورة ان حكم الظن لا يتعدى عن موضوعه وليس جواز الصلاة إلى الجهة التي ظن بكونها قبلة من اثار نفس تلك الجهة من حيث هي حتى يستصحب في زمان الشك بل من اثارها كونها هي القبلة التي يجب احرازها بالظن الاجتهادي عند تعذر العلم فلا يعقل بقاء اثر الظن الذي اعتبر طريقا لاحراز متعلقه بعد زوال عينه ولو تجدد الشك في أثناء الصلاة فعن العلامة في جملة من كتبه انه لا يلتفت إلى شكه ويمضي في صلاته ولعله مبني على أن وقت احراز القبلة قبل الدخول في الصلاة فالشك فيها بعد الدخول في الصلاة شك في الشئ بعد تجاوز
(١١٥)