والإقامة ليس الا كالترتيب بين الفرائض اليومية ونوافلها أو الترتيبي بين نافلة الليل وركعات الوتر ونافلة الفجر وغير ذلك من التكاليف المرتبة التي يجوز للمكلف الاتيان بالمتأخر ابتداء عند إرادة ترك المتقدم فالاشكال في مثل هذه الموارد انما هو في جواز تدارك المتروك بعد الاتيان بما تأخر عنه في الرتبة حيث إن قضية الترتيب فيما بينهما تعذره بفوات محله ولكن مقتضى استصحاب بقاء التكليف به جوازه وحصول الاجزاء بفعله المستلزم لسقوط شرطية الترتيب فيما بينهما ولكن لو أراد احراز فضيلة بحصولهما على الوجه الموظف فعليه إعادة المتقدم بعده لادراك هذه الفضيلة لو قلنا بجواز الإعادة للإجادة كما ليس بالبعيد والا فمقتضى الأصل عدم مشروعيتها والله العالم ويستحب فيهما سبعة أشياء الأولى ان يكون مستقبل القبلة حالهما على المشهور بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه في الأذان وعن بعض دعواه في الإقامة أيضا ولعل مراده الاجماع على رجحانه لا على خصوص الاستحباب فلا ينافيه ما سيأتي من حكاية القول بوجوبه في الإقامة عن غير واحد وكيف كان فعمدة مستنده في الأذان هو ما عرفت وكفى به دليلا بعد البناء على المسامحة ويمكن الاستدلال له فيهما أيضا بالمرسل المروي عن دعائم الاسلام عن علي عليه السلام قال يستقبل المؤذن القبلة في الأذان والإقامة فإذا قال حي على الصلاة حي على الفلاح حول وجهه يمينا وشمالا وما فيه من الامر يتحول الوجه يمينا وشمالا يحتمل كونه جاريا مجرى التقية مع أنه لا ينافي الاستقبال وربما يستدل له أيضا باطلاق قوله عليه السلام في خبر المجالس ما استقبل فيه القبلة وفيه انه لا يدل على استحبابه حالهما من حيث هو كما هو ظاهر كلماتهم ويدل عليه أيضا في الإقامة قول الصادق عليه السلام في خبر سليمان بن صالح المتقدم عند التكلم في اشتراط القيام في الإقامة وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا اخذ في الإقامة فهو في صلاة وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة وفي خبر الشيباني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة وقد حكى عن السيد وجماعة القول بوجوبه واختاره في الحدائق تمسكا بظواهر هذه الأخبار وفيه مع امكان الخدشة في ظهور هذه الأخبار في إرادة الاستقبال بدعوى ان غايتها الاشعار بذلك حيث يستشعر من تنزيل الإقامة منزلة الصلاة في خبري سليمان والشيباني ومن سبق قوله عليه السلام أينما توجهت في صحيحة زرارة ارادتها من التشبيه ومن قوله متهيأ للصلاة واما الظهور فلا والغض عما حققناه عند التكلم في اعتبار القيام من قصور مثل هذه الأخبار عن إفادة الوجوب الشرطي انه يتعين صرفها إلى الاستصحاب جمعا بينها وبين خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام انه سئله عن الرجل يفتح الأذان والإقامة وهو على غير القبلة ثم استقبل القبلة قال لا بأس وخبره الاخر عنه أيضا نحوه الا أنه قال إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس ولا يمكن تقييد تلك الأخبار بهذه الرواية بحملها على ارادته حال التشهد ضرورة انه لم يقصد بقوله عليه السلام إذا اخذ في الإقامة فهو في الصلاة كما في خبر سليمان أو إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة كما في الصحيحة أو إذا أقمت فأقم مترسلا الخ كما في خبر الشيباني خصوص حال التشهد فالمراد ما كونه كالمصلي من حيث القيام والاستقرار ونحوه دون الاستقبال أو الأعم ولكن على سبيل الاستحباب الذي لا ينافيه نفي البأس عنه في غير حال التشهد واما حال التشهد فهذه الرواية تدل بمفهومها على ثبوت باس بترك الاستقبال فيه سواء كان في الأذان أو في الإقامة أو يدل عليه أيضا في الأذان صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن الرجل يؤذن وهو يمشي أو على ظهر دابته وعلى غير طهور قال نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له يؤذن الرجل وهو على غير القبلة قال إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس فلعله أريد بالبأس المفهوم منها الكراهة كما نفى عنه البعد في الجواهر ويحتمل قويا ان يكون التفصيل بين حال التشهد وغيره منشأه تأكد استحبابه حال التشهد لا كراهة الترك والله العالم والثاني ان يقف على أواخر الفصول في كل من الأذان والإقامة اجماعا كما ادعاه في المدارك وغيره ويدل عليه ما عن الصدوق ومرسلا عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأذان والإقامة مجزومان وقال وفي خبر اخر موقوفان ولكن قد ينافيه في الإقامة ما عن الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال قال أبو جعفر الأذان جزم بافصاح الألف والهاء والإقامة حدر فان مقابلة الحدر الذي هو الاسراع بالجزم الذي هو القطع الحاصل بترك الاعراب مشعرة بإرادة الوصل الموجب لظهور الاعراب من الحدر في الإقامة ولكن لا ينبغي الالتفات إليه في مقابل ما عرفت فيحتمل قويا ان يكون المراد بالجزم في هذه الرواية السكون والطمأنينة اي التأني الذي يقابله الحدر ثم إن المراد بالألف والهاء المأمور بافصاحهما في هذه الرواية وفي خبره الاخر أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا اذنت فافصح بالألف والهاء وفي خبره الثالث عنه أيضا قال لا يجزيك من الأذان الا ما أسمعت نفسك أو فهمته وافصح بالألف والهاء الحديث يحتمل ان يكون مطلق الألف والهاء الواقعين في الأذان وتخصيص الحرفين بذلك لوقوع اللبس والادغام فيهما غالبا لدى الاسراع وعدم التأني فإنه كثيرا ما يلتبس اشهد ممن يسرع في التكلم به باشد وكذلك الله أكبر بالكبر ويحتمل ان يكون المراد بهما الألف والهاء الواقعتين في أواخر الفصول من الشهادتين والحيعلات والتهليل ويحتمل أيضا ان يكون المراد بهما ما في لفظ الجلالة من التكبير كما يؤيد هذا الاحتمال خبر ابن نجيح عن الصادق عليه السلام أنه قال التكبير جزم في الأذان مع الافصاح بالهاء والألف والله العالم والثالث والرابع ان يتأتى في الأذان و يحدر في الإقامة كما يدل عليهما الصحيحة المتقدمة بالتقريب المتقدم وحسنة ابن السري عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأذان ترتيل والإقامة حدر وصحيحة معاوية بن وهب أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان فقال اجهر وارفع به صوتك فإذا أقمت فدون ذلك ولا تنتظر بأذانك ولا إقامتك الا دخول وقت الصلاة واحدر إقامتك حدرا والمراد بالحدر هو الاسراع الغير المنافي لحفظ الوقوف في أواخر الفصول فالمراد به ترك التأني والتطويل المطلوب في الأذان لا السرعة والاستعجال الخارج عن المتعارف ولعل هذا اي الاتيان على النحو المتعارف الموجب لحفظ الوقوف هو المراد بالترتل المأمور به في خبر الشيباني حيث قال إذا أقمت فأقم مترسلا فإنك في الصلاة فلا ينافيه الاخبار الامرة بالحدر في الإقامة والله العالم ولو اسرع في الإقامة بان اتى بها درجا لا يسقط بذلك فضيلة الجزم كما نبه عليه شيخنا الشهيد الثاني في محكى الروض
(٢٢٢)