عن الاستيلاء على مال الغير من غير رضاه كما تقدمت الإشارة إليه في صدر المبحث وكيف كان فاشتراط حل التصرف في مال الغير برضاه من الوضوح بمكان لا يحوم حوله شائبة ارتياب فلابد من احرازه بالعلم أو ما قام مقامه كالبينة وظواهر الألفاظ وخبر الثقة ان اعتبرناه في الموضوعات كما هو الأظهر على ما بيناه في المواقيت وغيرها من المباحث السابقة واما الأمارات الظنية المعبر عنها بشاهد الحال فهي أيضا حجة معتمدة ان كانت مما جرت العادة على التعويل عليها بان كان لها ظهور عرفي معتد به لدى العقلاء في رضاء المالك والا فلا عبرة بها نعم قد يدعى استقرار السيرة على التصرف في الأراضي المتسعة والأنهار العظيمة ونحوها بما لا يتضرر به المالك ولو مع العلم بكراهة أو كونه غير أهل للاذن لصغر أو جنون فان ثبت ذلك على وجه لم يحتمل ابتنائه على المسامحة والمساهلة ممن لا يبالي بارتكاب المحارم كما ليس بالبعيد كان ذلك حجة على جواز هذا النوع من التصرفات في هذا النحو من الاملاك واستثنائها عما يقتضيه قاعدة الملك كما في حق المارة ونحوها وربما يؤيد ذلك ان ملكية هذا النوع من الاملاك انما تنشأ في الأصل من الحيازة والاحيا ونحوهما مما لا يبعد ان يدعى ان ما دل على سببيته للملكية وارد في مقام الامتنان وهو لا يقتضي السلطنة التامة للمالك في مثل هذه الاملاك التي يترتب على منع الغير عن الانتفاع بها بالمرة حتى بمثل المرور والصلاة ونحوها من التصرفات الغير المضرة بحال المالك حرج وضيق على سائر الناس بل يقتضي عدم بلوغ سلطنته إلى هذا الحد ولكنك خبير بأنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه المؤيدات في رفع اليد عما يقتضيه القواعد المتقنة ما لم يتحقق السيرة القطعية الكاشفة عن رضاء المعصوم واثباتها بالنسبة إلى ما علم فيه كراهة المالك في غاية الاشكال نعم الظاهر تحققها فيما لم يعلم فيه كراهة المالك فيمكن ان يكون منشأه كون سعة الملك امارة نوعية مورثة للظن غالبا بل الوثوق والاطمينان برضاء المالك بهذا النحو من التصرفات الغير المضرة بحاله فيشكل التعدي إلى صورة العلم بكراهته بل قد يشكل التعدي إلى صورة العلم بكونه ملكا لصغير أو مجنون ليس له ولي اجباري لو لم يثبت السيرة في خصوصه بناء على أنه ليس للولي الاختياري الاذن في التصرفات التي لا يترتب عليها فائدة للمولى عليه نعم احتمال كونه كذلك غير قادح بلا شبهة إذ الغالب قيام هذا الاحتمال في موارد تحقق السيرة فيمكن ان يكون منشأ في لاعتناء بهذا الاحتمال الغلبة حيث إن الغالب في الاملاك كونها في ولاية من له هذا النوع من التصرفات فمن الجائز أن تكون الغلبة في المقام حجة فلا يكشف ذلك عن الغاء رضاه رأسا أو كفاية رضاء وليه وعدم اناطته في مثل المقام الا بعدم المفسدة كما في الولي الاجباري لا بوجود المصلحة والله العالم وهل يعتبر اذن المتولي في الأوقاف العامة والخاصة بهذا النوع من التصرفات الغير المنافية لغرض الواقف الظاهر عدمه في الأوقاف العامة التي هي من قبيل المساجد والمشاهد والمقابر ونحوها فان الأظهر انها من قبيل التحريرات التي ليس بالفعل ملكا لاحد فلا يعتبر فيها رضاء أحد بالتصرفات الغير المنافية لما تعلق به غرض الوقوف كالجلوس والاكل والنوم وشبهها ما لم تكن منافية للجهة التي تعلق الغرض بها من الواقف ولو بينا على كونها ملكا للمسلمين أو بقائها على ملك الواقف فالظاهر أيضا جواز هذا النوع من التصرفات لقيام السيرة عليه وهكذا الكلام فيما هو وقف على النوع على جهة خاصة كالمدارس الموقوفة مسكنا للطلاب والتكايا الموقوفة منزلا للدراويش واما الأوقاف الخاصة فما كان منها موقوفا على أن يكون جميع منافعها للموقوف عليهم كما لو وقف داره على أولاده نسلا بعد نسل على أن يكون جميع ما يتعلق بها من المنافع حقا لهم فحالها حال الملك الطلق في أنه لا يجوز لاحد ان يتصرف فيها من غير رضائهم لان كل ما يقع من التصرفات من مثل الصلاة والجلوس والمرور ونحوها فهو نوع منافعها التي يستحقها الغير فلا يجوز الا برضائه كما في العين المستأجرة التي لا يجوز لاحد ان يتصرف فيها بمثل هذه التصرفات الا برضاء المستأجر وكذلك الكلام في الوقف العام الذي قصد به استيفاء جميع منافعها بأجرة ونحوها وصرفها في مصالح المسلمين أو سائر وجوه البر كما لا يخفى واما ما كان منها وقفا لهم على عمل خاص كما لو وقف داره على أن يكون مدرسا لأولاده أو على أن يدفنوا فيها موتاهم فهل يجوز لغيرهم سائر انحاء التصرفات الغير المنافية تعلق به غرض الواقف مما لا يترتب بواسطته ضرر على الوقف والموقوف عليهم بل وكذلك الكلام في تصرف بعضهم فيها بمثل هذه التصرفات من غير رضاء الباقين أو من جعل له النظر في الوقف ان لم نقل بدخولها في ما اراده الواقف بشهادة الحال أو الفحوى وجهان من أن الوقف الخاص على ما صرح به الأصحاب ملك للموقوف عليهم فيعتبر فيه رضائهم أو رضاء من له الولاية عليه يجعل الواقف و من أن هذا النوع من الوقف في الحقيقة ليس وقفا خاصا بل وقف عام على جهة خاصة لنوع مخصوص والله العالم وقد تلخص مما ذكر انه يشترط في إباحة الصلاة في ملك الغير كغيرها من التصرفات الواقعة فيه احراز رضاء مالكه حقيقة أو حكما فالمكان المغصوب لا تجوز بل لا تصح الصلاة فيه لا للغاصب ولا لغيره ممن علم بالغصب وكان مختارا فان صلى عالما عامدا كانت صلاته باطلة بلا خلاف يعتد به فيه على الظاهر بل في الجواهر ادعى الاجماع عليه محصله ومحكية صريحا وظاهرا مستفيضا ان لم يكن متواترا وعن الشهيد في الذكرى أنه قال اما المغصوب فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه واما بطلانها فقول الأصحاب وعليه بعض العامة وفي المدارك وغيره أيضا نسبة القول بالبطلان إلى علمائنا وحكى عن أكثر العامة القول بالصحة وحكى الكليني رحمه الله في الكافي عن الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا ما يظهر منه اختياره لهذا القول وقد تقدم نقل عبارته التي حكاها عنه في الكافي في اللباس المغصوب فراجع وربما قواه جملة من متأخري المتأخرين لزعمهم جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد شخصي إذا اختلفت جهتاهما وقد تقرر في محله بطلانه وتبين في ذلك المحل انه لو كان لفعل واحد شخصي جهات مختلفة وعناوين متعددة يتبع الحكم الفعلي جهته القاهرة المؤثرة في حسن الفعل وقبحه من حيث صدوره من المكلف فإنه بهذه الملاحظة ليس له الا جهة واحدة فان كانت مفسدته قاهرة فقبيح أو مصلحته فحسن وان تكافئتا فمباح نعم لو لم يكن للجهة القاهرة تأثير في قبح الفعل من حيث صدوره من فاعله بان لم يكن اختياريا له من تلك الجهة لحقه الحكم من سائر الجهات كما تقدم التنبيه عليه عند تصحيح صلاة ناسي الغصبية وجاهله في باب اللباس وتقدم شطرا وافيا من الكلام فيما يرتبط بالمقام في مبحث التيمم عند التكلم فيما إذا تحقق بوضوئه أو غسله عنوان محرم فراجع فعمدة مستند المشهور القائلين ببطلان الصلاة في المكان المغصوب ان الحركات الصلاتية وأكوانها بأسرها تصرف في ملك الغير بغير اذنه وهو مبغوض عند الله ومحرم شرعا فالفعل الخاص الخارجي الذي هو مصداق
(١٧٢)