وهذا مما لا يفي باثباته الخبر المزبور فالاستدلال به لما ذكروه لا يخلو عن نظير فليتأمل ويكره أيضا ان يطأطأ رأسه وان يرفعه حتى يكون أعلى من جسده لما رواه الصدوق في معاني الأخبار قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله ان يدبج الرجل كما يدبج الحمار قال ومعناه ان يطأطأ الرجل رأسه في الركوع حتى يكون اخفض من ظهره وكان عليه السلام إذا ركع لم يصوب رأسه ولم يقنعه قال معناه انه لم يرفعه حتى يكون أعلى من جسده ولكن بين ذلك وقال الاقناع رفع الرأس واشخاصه قال الله تعالى مهطعين مقنعي رؤسهم ويشهد للأول أيضا خبر إسحاق بن عمار المروي عن الذكرى ان عليا عليه السلام كان يعتدل في الركوع مستويا حتى يقال لو صب الماء على ظهره لاستمسك وكان يكره ان يحدر رأسه ومنكبيه في الركوع وخبر علي بن عقبة المروي عن الكافي قال رآني أبو الحسن عليه السلام بالمدينة وانا أصلي وأنكس برأسي وأتمدد في ركوعي فأرسل إلي لا تفعل ويكره أيضا التطبيق وهو جعل احدى الكفين على الأخرى وادخالهما بين ركبتيه وقد حكى القول بكراهته عن أبي الصلاح وغيره وعن ظاهر غير واحد من الأصحاب القول بحرمته وحكى عن بعض العامة القول باستحبابه أو وجوبه ولا دليل يعتد به على كراهته فضلا عن حرمته عدى ما يظهر من بعض من دعوى الاجماع على مرجوحيته فلعله يكفي لاثبات الكراهة من باب المسامحة والله العالم الواجب السادس السجود (في مجمع البحرين قد تكرر في الحديث ذكر السجود) وهو في اللغة الميل والخضوع والتطامن والاذلال وكل شئ ذل فقد سجد ومنه سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوبه وسجد الرجل وضع جبهته على الأرض لأي ان قال وهو في الشرع عبارة عن هيئة مخصوصة أقول الظاهر أن استعماله في الشرع أيضا ليس الا في معناه العرفي الذي هو وضع الجبهة على الأرض بقصد التواضع ولو بوسائط ولكن الشارع اعتبر فيه شرائط وكيف كان فلا يجوز لغير الله تعالى كما يظهر من جملة من الروايات منها خبر عبد الرحمن بن كثير المروي عن بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله يوما قاعدا في أصحابه إذ مر به بعير فجاء حتى ضرب بجبرانه الأرض ورغا فقال رجل يا رسول الله اسجد لك هذا البعير فنحن أحق ان نفعل فقال لا بل اسجدوا لله ثم قال لو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها الحديث وعن احتجاج الطبرسي بأسناده عن العسكري عليه السلام في احتجاج النبي صلى الله عليه وآله على مشركي العرب أنه قال لم عبدتم الأصنام من دون الله قالوا نتقرب بذلك إلى الله قال بعضهم ان الله لما خلق ادم وامر الملائكة بالسجود له كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا له تقربا كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم نصبتم بأيديكم محاريب فسجدتم إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أخطأتم الطريق وضللتم إلى أن قال أخبروني عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم له وصليتم ورضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي يقيم لرب العالمين اما علمتم ان من حق من يلزم تعظيمه وعبادته ان لا يساوي عبيده أرأيتم ملكا عظيما إذا استويتموه بعيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير قالوا نعم قال أفلا تعملون انكم من حيث تعظمون الله تعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين إلى أن قال والله عز وجل حيث امر بالسجود لآدم عليه السلام لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره فليس لكم ان تقيسوا ذلك عليه انكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به ثم قال أرأيتم لو اذن لكم رجل بدخول داره يوما بعينه كان لكم ان تدخلوها بعد ذلك بغير امره أو لكم ان تدخلوا دارا أخرى له مثلها بغير امره قالوا لا قال فالله أولى ان لا يتصرف في ملكه بغير اذنه فلم فعلتم ومتى امركم ان تسجدوا لهذه الصور وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ان زنديقا قال له أيصلح السجود لغير الله قال لا قال فكيف امر الله الملائكة بالسجود لآدم فقال إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله فكان سجوده لله إذا كان من امر الله وعن مجمع البيان أيضا في قوله تعالى وخروا له سجدا قال قيل إن السجود كان لله شكرا له كما يفعل الصالحون عند تجدد النعم والهاء في قوله له عائدة إلى الله فيكونون سجدوا لله وتوجهوا في السجود إليه كما يقال صلى للقبلة وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام وعن علي بن إبراهيم في تفسيره عن محمد بن عيسى عن يحيى بن أكثم ان موسى بن محمد سأل عن مسائل فعرضت على أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام فكان أحدها ان قال له أخبرني عن يعقوب وولده اسجدوا ليوسف وهم أنبياء فأجاب أبو الحسن عليه السلام اما سجود يعقوب وولده فإنه لم يكن ليوسف انما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية ليوسف كما أن السجود من الله لآدم كان طاعة لله وتحية لآدم عليه السلام فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله لاجتماع شملهم الا ترى انه يقول في شكره في ذلك الوقت رب قد اتيتني من الملك الآية وعن العسكري عليه السلام في تفسيره عن ابائه عن النبي صلى الله عليه وآله قال لم يكن له سجودهم يعني الملائكة لآدم انما كان ادم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز وجل وكان بذلك معظما تبجلا ولا ينبغي لاحد ان يسجد لاحد من دون الله يضع له كخضوعه لله ويعظمه بالسجود كتعظيمه لله ولو أمرت أحدا ان يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا ان يسجد لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله صلى الله عليه وآله ومحض وداد خير خلق الله على بعد محمد رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث وهو واجب في الصلاة في كل ركعة سجدتا اجماعا بل ضرورة وهما كلتاهما لا كل واحدة منهما ركن في الصلاة تبطل بالاخلال بهما في كل ركعة سواء كانت من الأوليين والأخيرتين عمدا وسهوا وكذا بزيادتهما كذلك ولا تبطل بالاخلال بواحدة منهما سهوا ولا بزيادتها كذلك كما سيأتي تحقيق ذلك كله في مباحث احكام الخلل إن شاء الله ثم إن هيهنا اشكالا مشهورا يرد على تفسير الركن بما صرح به غير واحد بل ربما نسبه بعضهم إلى الأصحاب من أن الركن هوما كان نقصه وزيادته عمدا وسهوا مبطلا فإنه ان جعل الركن مجموع السجدتين فتركه يتحقق بترك واحدة منهما مع أنه سهوا غير مخل لدى المشهور كما يدل عليه جملة من الاخبار وان جعل الركن مهية السجود التي يتحقق في ضمن الواحدة فيلزم ان يكون زيادة سجدة واحدة سهوا مبطلة مع أن المشهور لا يقولون به وربما أجيب عن الاشكال بوجوه لا تسلم شئ منها عن مناقشة ولا يترتب على حمله ثمرة عملية لأن وجوب السجدتين في كل ركعة وما يترتب على نقصهما وزيادتهما عمدا وسهوا يعلم بمراجعة الأدلة الشرعية من غير توقفه على معرفة مفهوم الركن أو صحة اطلاقه
(٣٣٨)