فقال لا يقطع صلاة المسلم شئ ولكن ادرأ ما استطعت وموثقة ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر بين يديه قال لا يقطع صلاة المؤمن شئ ولكن ادرأ ما استطعتم وخبر الحسين بن علوان المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام سئل عن الرجل يصلي فيمر بين يديه الرجل و المرأة أو الكلب والحمار فقال إن الصلاة لا يقطعه شئ ولكن ادرأ وما استطعتم هي أعظم من ذلك إذ لولا أن المرور بين يدي المصلي موجبا لنقص في صلاته لم يكن يكلف بمنعه خصوصا مع ما يترتب عليه من ايذاء المؤمن أحيانا وقد أشرنا انفا إلى أن المراد بكراهة الصلاة ليس الا ذلك ومن هنا قد يدعى دلالة هذه الأخبار على كراهة ان يكون بين يديه انسان مواجه أيضا بالأولوية القطعية وفيه نظر بل في دلالتها على كراهة الصلاة مع المرور تأمل لجواز ان يكون الامر بالدرء رعاية لحرمة الصلاة و تعظيمها لا لدفع منقصة عنها فيكون مستحبا لا الصلاة بدونه مكروهة كما أن في ذيل الخبر الأخير إشارة إلى ذلك بناء على كونه علة للدرء لا لعدم الانقطاع وأوضح منه دلالة عليه ما رواه أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يقطع الصلاة شئ لا كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشئ وان كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت والفضل في هذا ان تستتر بشئ وتضع بين يديك ما تتقي به من المار فإن لم تفعل فليس به بأس لأن الذي يصلي له المصلي أقرب إليه ممن يمر بين يديه ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها ولعل في مبالغة الإمام عليه السلام وتعبيره في جملة من الاخبار بان الصلاة لا يقطعها شئ من مرور انسان وكلب أو غير ذلك ايماء إلى أن مرور شخص أجنبي عن المكلف لا يصلح ان يكون موجبا لقدح فيها ولكن ينبغي ان يدرء رعاية لحرمة الصلاة فلو كان ذلك مكروها لكانت كراهته على المار ان كان مكلفا كما يدل عليه بعض الأخبار الآتية لا على المصلي فالذي يقوى في النظر انما هو استحباب الدفع ولو بوضع السترة التي هي دفع حكمي كما ستعرفه لا كراهة تركه وكيف كان فلا يعارض هذه الأخبار خبر ابن أبي عمير المروي عن كتاب التوحيد قال رأى سفيان الثوري أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وهو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه فقال له ان الناس يمرون بين يديك وهم في الطواف فقال له الذي أصلي له أقرب من هؤلاء ومرفوعة علي بن إبراهيم عن محمد بن مسلم قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه السلام فقال له رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم وفيه ما فيه فقال أبو عبد الله ادعو لي موسى فدعى فقال له يا بني ان أبا حنيفة يذكر انك صليت والناس يمرون بين يديك فلم تنههم فقال نعم يا أبه ان الذي كنت أصلي له كان أقرب إلي منهم يقول الله عز وجل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد قال فضمه أبو عبد الله عليه السلام إلى نفسه ثم قال يا بني بأبي أنت وأمي يا مستودع الاسرار وخبر سفيان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام انه كان يصلي ذات يوم إذ مر رجل قدامه وابنه موسى عليه السلام جالس فلما انصرف قال له ابنه يا أبه ما رأيت الرجل مر قدامك فقال يا بني ان الذي أصلي له أقرب إلى من الذي مر قدامي و خبر ضعيف عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال كان الحسين بن علي عليهما السلام يصلي فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه فلما انصرف قال له لم نهيت الرجل فقال يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله خطر فيما بينك وبين المحراب فقال ويحك ان الله عز وجل أقرب من أن يخطر فيما بيني وبينه أحد فان هذه الأخبار مع أنه لا دلالة فيها على أنه لم يكن في موردها بحيال وجه الإمام عليه السلام سترة من خط ونحوه مما ستعرف انه بمنزلة الدفع واحتمال ورود جميعها كالخبر الأول في مكة المشرفة التي اغتفر فبها هذا الحكم لمكان الضرورة كما شهد بذلك صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أقوم أصلي بمكة والمرأة بين يدي جالسة أو مارة قال لا بأس انما سميت بكة لأنه يبك فيه الرجال والنساء انها حكاية فعل لا تصلح معارضة للقول وما فيها من التعليل أريد منه بحسب الظاهر دفع توهم كون المرور قاطعا للصلاة فكأنهم كانوا يتوهمون ان الصلاة تذهب بحيال صاحبها إلى القبلة فيكون المرور موجبا لانقطاع بعضها عن بعض فأبطل الإمام عليه السلام هذا الوهم بقوله ان الذي أصلي له أقرب إلى من هؤلاء وقد أشير إلى هذا الوهم وفساده في خبر أبي سليمان مولى أبي الحسن العسكري عليه السلام قال سأله بعض مواليه وانا حاضر عن الصلاة يقطعها شئ مما يمر بين يدي المصلين فقال لا ليس الصلاة تذهب هكذا بحيال صاحبها انما تذهب مساوية لوجه صاحبها فكأنه أريد بقوله عليه السلام انما تذهب الخ انها لا تتعدى عن وجه صاحبها فان من يصلي له أقرب إليه من حبل الوريد ويحتمل ان يكون إشارة إلى انها عمل صالح يرفعه الله فهي تصعد مساوية لوجه صاحبها ولا تذهب بحياله كي يقطعها المرور والله العالم فائدة يستحب للمصلي ان يجعل بين يديه شيئا من جدار أو غيره أو حجر أو سهم أو قلنسوة أو كومة تراب أو خط أو نحو ذلك ويسمى ذلك في عرفهم بالستر وحكى عن غير واحد دعوى الاجماع على استحبابها قال صاحب الحدائق الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في استحباب السترة بضم السين للمصلي في قبلته ونقل عليه في المنتهى الاجماع عن كافة أهل العلم انتهى ويدل عليه جملة من الاخبار منها صحيحة محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام في الرجل يصلي قال يكون بين يديه كومه من تراب أو يخط بين يديه بخط وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن ابائه عليهم السلام قال قال رسول الله إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرجل فإن لم يجد فحجرا فإن لم يجد فسهما فإن لم يجد فليخط في الأرض بين يديه قال في محكى الوافي مثل مؤخرة الرجل يعني بتلك المماثلة ارتفاعه من الأرض و صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجعل العنزة بين يديه إذا صلى وفي الحدائق والعنزة بفتح العين المهملة وتحريك النون وبعدها زاي عصاة في أسفلها ذوبه وفي الصحاح انها أطول من العصا واقصر من الرمح وخبر غياث عن أبي عبد الله عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله وضع قلنسوته وصلى إليها وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه ويستفاد من هذه الرواية انه إذا وضع المصلي بين يديه شئ يستغنى بذلك عن دفع المار الذي عرفت استحبابه انفا فهو دفع حكمي ولكنه بالنسبة إلى من يمر من وراء السترة لا مما بينهما إذا المتبادر من قوله عليه السلام يستتر به انه يجعله حائلا فيما بينهما ونحوه في الدلالة على ذلك خبر علي بن جعفر المروي عن كتاب قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي وأمامه حمار واقف قال يضع بينه وبينه عودا أو قصبة أو شيئا يقيمه بينهما ويصلي ولا بأس قلت فإن لم يفعل وصلى أيعيد صلاته أو ما عليه قال لا يعيد صلاته أو ما عليه قال لا يعيد صلاته وليس عليه شئ ولا يرد على الاستشهاد به للمدعى بخروجه عن محل الكلام حيث إن المفروض فيه كون الحمار واقفا لأن الحمار الواقف قد يمشي ويمر بين يديه وهو في الصلاة
(١٩٦)