لدى العقلاء في تشخيص جانب سائر البلاد وأوضح سبيل يسلكه العقلاء في تشخيص سمت البلاد النائبة انما هو السؤال عن المترددين إليها كالمكاري ونحوه ومن الواضح الذي لا مجال للارتياب فيه ان اخبار المترددين بجهتها كغيرها من البلاد النائية خصوصا إذا كانت المسافة بينهما شهرا أو شهرين فما زاد كأقصى بلاد الهند ونحوها لا تقيد عادة الا معرفة جهتها على سبيل الاجمال على وجه ربما يشتبه جهتها الخاصة المحاذية لها في سمت عظيم ربما يبلغ ربع الدائرة بل ربما يتعذر بالنسبة إلى نفس المترددين فضلا عمن يعتمد على خبرهم تشخيصها في أقل من ذلك لما في طريقهم من الموانع الموجبة للخروج عن سمتها الحقيقي وحفظ نسبته فيمتنع ان يكلفهم الله تعالى بالتوجه إليها في أخص من هذا السمت فضلا عن أن يأمرهم بالمحاذاة الحقيقية ولو أغمضت النظر عن العلائم التي بينها الأصحاب واردت تشخيص جهتها كجهة غيرها من البلاد النائية لأذعنت بصدق ما ادعيناه ومما يؤيده أيضا بل يشهد له ان العلائم الآتية التي بينها الأصحاب وعولوا عليها في فتاويهم من غير نكير لا يشخص بها الا سمتها على سبيل الاجمال فان أوضحها وأضبطها التي تطابق عليها النص و الفتوى هو الجدى الذي ورد الامر بوضعه على قفاك في خبر محمد بن مسلم وفي مرسلة الصدوق عن أبي عبد الله في جواب من سئله عن أنه يكون في السفر ولا يهتدي إلى القبلة في الليل اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحج على قفاك ومن الواضح انه لا يميز بذلك الا جهتها على سبيل الاجمال فان غاية ما يمكن ادعائه انما هو تنزيل الروايتين على البلاد المناسبة لهما وهذا مع ما فيه من البعد بالنسبة إلى الخبر الأول الذي لا يناسب بلد المتكلم والمخاطب لولا البناء على التوسعة وإرادة السمت لا يجدي في احراز المحاذاة الحسية فان الجدي تدور حول المركز بحيث يختلف ما يحاذيه اختلافا بينا ولذا جعل بعض المدققين العبرة بحال ارتفاعه أو انخفاضه كي يكون على دائرة نصف النهار وفيه مالا يخفى من مخالفته لاطلاق النصوص والفتاوي وبعد ارادته من مورد الروايتين فهذا كاشف عن أن العبرة بتشخيص جهتها في الجملة ومما يؤكد المدعى أيضا ترك النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام التعرض لبيان ضابط لبلادهم فضلا عن غيرها من البلاد النائية مع كونه من أهم المهمات وترك أصحابهم التعرض لأمرها بالسؤال عنها مع أنهم لم يزالوا كانوا يسئلون كثيرا مما لا يحتاجونه الا على سبيل الفرض فيكشف ذلك عن انهم كانوا يجتزون في معرفة القبلة بالطرق المقررة عندهم لتشخيص جهات سائر البلاد عند إرادة السير إليها في البر والبحر من غير ابتنائه على التدقيقات كما يؤيده أيضا ما في أوضاع المساجد والمقابر حتى المساجد القديمة كمسجد الكوفة والسهلة وغيرهما من المساجد القديمة التي صلى فيها الأئمة عليهم السلام من الاختلاف الفاحش مع أن مثلها من العلائم التي يعول عليها في تشخيص القبلة إلى غير ذلك من الامارات الدالة على عدم ابتناء امر القبلة على المضايقة وكون المدار على استقبال الجهة التي يطلق عليها سمت الكعبة لكن عرفت ان هذا فيما إذا لم يعلم بجهتها الخاصة أو ما يقرب منها والا فيشكل الانحراف عنها عمدا كما انك عرفت اجمالا وسيتضح لك تفصيله انه لو اشتبه هذا السمت في السمت المطلق الواقع فيه الكعبة كطرف الجنوب والشمال والمشرق والمغرب لا يجب الا استقبال ذلك الطرف كما يدل عليه في الجملة الصحيحتان المتقدمتان الدالتان على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة ولكن الفرق بين هذا السمت المطلق الذي هو أيضا قبلة في الجملة وبين السمت الخاص المضاف إلى الشئ ان هذا السمت قبلة اضطرارية لا يجوز الاجتزاء به الا في مقام الضرورة متحريا فيه الأقرب فالأقرب وهذا بخلاف السمت المضاف إلى الكعبة فإنه قبلة اختيارية لا يجب عند احرازه التحري إلى الأقرب نعم قد أشرنا مرارا إلى أنه مع العلم بسمت أخص من ذلك أيضا أو بجهتها الخاصة المحاذية للكعبة يشكل الانحراف عنه عمدا بل لا يجوز كما أوضحناه انفا فمن هنا صح ان نقول في تفسير الجهة التي يجب استقبالها للبعيد أهي السمت الذي يحتمل وجود الكعبة في كل جزء منه ويقطع بعدم خروجه عنه فالنسبة بينها بهذا المعنى وبين السمت المضاف إلى الشئ عرفا الذي له نحو وجود اعتباري لدى العقلاء لا مدخلية للقطع والاحتمال في تحققه العموم من وجه فربما تكون أخص منها كما لو علم بكون الكعبة في طرف خاص منها وقد تكون أعم كما لو اشتبهت الجهة العرفية في السمت المطلق لكن جواز الاجتزاء بمقابلتها حينئذ مشروط بعدم التمكن من تشخيص سمتها العرفي والله العالم وجهه الكعبة لا بالمعني المتقدم بل بمعنى الفضاء الذي وقعت الكعبة فيه من تخوم الأرض إلى عنان السماء هي القبلة لا البينية كما فقدمت الإشارة إليه في صدر المبحث فلو زالت البنية والعياذ بالله صلى إلى جهتها كما يصلي من هو أعلى موقفا منها كجبل أبي قبيل أو أسفل كالمصلي في سرداب اخفض من الكعبة وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء كما صرح به في المدارك وغيره ويدل عليه مضافا إلى ذلك موثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئله رجل قال صليت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي قال نعم انها قبلة من موضعها إلى السماء وخبر خالد أبي إسماعيل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة فقال لا باس ولو صلى في جوفها استقبل اي جدرانها شاء على كراهية في الفريضة لدى المشهور عن الشيخ في الخلاف والقاضي في المهذب المنع عنها اختيارا واستدل عليه في محكى الخلاف باجماع الفرقة وبان القبلة هي الكعبة لمن شاهدها فتكون القبلة جملتها والمصلي في وسطها غير مستقبل الجملة وبما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصلي المكتوبة في جوف الكعبة فان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يدخلها في حج ولا عمرة ولكن دخلها في فتح مكة فصلي فيها ركعتين بين العمودين ومعه أسامة بن زيد وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال لا تصلي المكتوبة في الكعبة وعن الكليني في الكافي نحوه ثم قال وقد روى في حديث اخر يصلي إلى اربع جوانبها إذا اضطر إلى ذلك وفي بعض النسخ في اربع جوانبها بدل إلى قال الشهيد رحمه الله في محكي الذكرى هذا إشارة إلى أن القبلة انما هي جميع الكعبة فإذا صلي في الأربع عند الضرورة فكأنه استقبل الجميع أقول ويحتمل بعيدا ان يكون المراد بقوله يصلي الخ بيان الرخصة في فعل الصلاة
(٩٠)