وقول النبي صلى الله عليه وآله في مرسلة الصدوق ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل الحديث فإنه بحسب الظاهر مسوق للردع عن الاعتماد على اذان ابن أم مكتوم لكونه يؤذن بليل لا الامر بالتعويل على اذان بلال فيستشعر من ذلك ان التعويل على اذان بلال على وفق القاعدة وقوله صلى الله عليه وآله في مرسلة المفيد وله من كل من يصلي باذانه حسنة فان فيه ايماء إلى جريان العادة على التعويل على الأذان ورضاء الشارع بذلك وكيف كان فغاية ما يمكن اثباته بهذه الاخبار انما هو جواز الاعتماد على اذان من يوثق بأنه لا يؤذن الا بعد دخول الوقت لا مطلقا المؤذن وان كان قد يستظهر منها الاطلاق لكن اطلاق بعضها وأراد مورد حكم اخر من مدح المؤذنين والترغيب على الأذان ببيان ما يترتب عليه من المغفرة والاجر كالروايات الثلاثة الأخيرة وبعضها وارد في المؤذن الثقة كصحيحة المحاربي ورواية سعيد وخبر علي بن جعفر بل وكذا رواية محمد بن خالد القسري الظاهرة في جواز الاعتماد على الأذان مع الشك وان عقوبة مخالفة الوقت على المؤذنين فان المراد بالصوم يوم الجمعة في هذه الرواية بحسب الظاهر هي صلاة الجمعة والمقصود بالمؤذنين هم الذين يعول عليهم في صلاة الجمعة وهم بمقتضى العادة من هؤلاء الذين امر الصادق عليه السلام في صحيحة ذريح بالصلاة بآذانهم ومدحهم بأنهم أشد شئ مواظبة على الوقت نعم يظهر من هذه الرواية عدم اعتبار الوثوق الفعلي اللهم الا ان يقال لعله في خصوص المورد نظرا إلى أن خوف وقوع صلاة الجمعة قبل الوقت لا يكون غالبا الا ممن في قلبه مرض الوسواس لقضاء العادة بعدم انعقاد صلاة الجمعة الا بعد الزوال هذا مع أن هذه الرواية بحسب الظاهر لا تخلو عن ثوب تقية لما أشرنا إليه من أن الظاهر من قوله أخاف ان نصلي يوم الجمعة إرادة صلاة الجمعة التي هي لم تكن تنعقد ظاهرا في عصر الصادق عليه السلام الا من المخالفين فكانت صلاتهم فاسدة على كل حال وكذلك صلاة من يصلي الجمعة معهم فلعل الإمام عليه السلام حيث لم يتمكن من اظهار ذلك اجابه بجواب صوري وكيف كان فما يمكن ان يتمسك باطلاقه ليس الا قوله عليه السلام في خبر الهاشمي المؤذن مؤتمن وقوله عليه السلام في مرسلة الصدوق في المؤذنين انهم الامناء وهذان الخبران أيضا لو لم نقل بانصراف اطلاقهما إلى من كان من شانه الاستيمان بان يكون في حد ذاته أمينا في الاخبار بالوقت كما لعمله الغالب في المؤذنين في عصر الأئمة عليهم السلام لتعين صرفه إلى ذلك جمعا بينه وبين صحيحة ذريح الدالة بمقتضى التعليل الواقع فيها على عدم جواز الاعتماد على مطلق الأذان وخبر علي بن جعفر المتقدم في صدر المبحث الذي وقع فيها التصريح بان سماع الأذان لا يجزي حتى يعلم أنه طلع الفجر هذا مع ضعف الخبرين سندا وعدم نهوضهما حجة لاثبات حكم مخالف للقواعد الشرعية ثم إن مقتضي ترك الاستفصال في خبر علي بن جعفر المتقدم مع اطلاق الجواب بأنه لا يجزي حتى يعلم عدم جواز التعويل على الأذان مطلقا وان كان المؤذن ثقة عارفا بالوقت لكن لابد من صرفه عن ذلك جمعا بينه وبين الصحيحة وغيرها مما هو نص في جواز التعويل على اذان الثقة بل هو في حد ذاته منصرف عن ذلك فان المتبادر من قول السائل في الرجل يسمع الأذان إرادة مجرد سماع الأذان من غير أن يميز شخص المؤذن فضلا عن أن يعرفه بالوثاقة فلا يعم اطلاق الجواب ما لو عرف المؤذن وعلم أنه شديد المواظبة على الوقت وانه بحسب عادته لا يؤذن الا بعد الوقت وليعلم ان ما ذكرنا من حجية خبر الثقة وأذانه في تشخيص الوقت وغيره من الموضوعات الخارجية انما هو فيما إذا كان المخبر به حسيا لم يتطرق فيه احتمال الخطاء احتمالا يعتد به لدى العقلاء كاخباره ببلوغ الفئ موضع كذا أو زيادة الظل بعد نقصانه أو غير ذلك أو حدسيا يكون كذلك بان يكون ناشئا عن مقدمات حسية غير قابلة للخطأ كالاخبار بالملكات المستكشفة في اثارها كالشجاعة والسخاوة ونحوهما واما فيما لم يكن كذلك بان كان حدسيا غير مستند إلى مقدمات حسية أو حسيا يكثر فيها الخطاء والاشتباه كتمييز أوصاف بعض الأجناس وتشخيص مراتبها ونحو ذلك مما نرى أهل العرف يختلفون فيها فلا بل قد يشكل في مثل هذه الموارد الاعتماد على البينة أيضا الا ان يدل عليه دليل خاص تعبدي فمن هنا قد يشكل الامر في الاعتماد على شهادة العدلين فضلا عن العدل الواحد أو مطلق الثقة في الاخبار بأول الوقت على سبيل التحقيق لاختلاف الانظار في تشخيص أول الوقت ما لم يستند إلى زيادة الظل ونحوه من الحسيات الغير القابلة للتشكيك والحاصل ان وثاقة المخبر أو عدالته انما تؤثر في في لاعتناء باحتمال تعمد الكذب فإن كان المخبر به مما لو علم بأنه لم يخبر به الا عن اعتقاد ويقين لا يعتني باحتمال خطائه واشتباهه كما في الحسيات التي يبعد فيها الخطاء ويجري بالنسبة إليها اصالة عدم الخطأ والغفلة المعول عليها لدى العقلاء يعول على اخباره والا فلا يشكل حينئذ التعويل على اذان الثقة في غير الزوال الذي يحرز غالبا باحساس زيادة الظل ورجوعه إلى المشرق الا في تشخيص الوقت تقريبا لو لم يعلم بقرينة حالية أو مقالية ان غرضه الاعلام يتبين الوقت على وجه غير قابل للتشكيك والالتباس اللهم الا ان يقال إن الاعتماد على اذان الثقة انما هو من باب الرجوع إلى أهل الخبرة فيعول عليه وان كان المخبر به حدسيا أو بمنزلته لكن يتوجه عليه ان المتجه انما هو رجوع من لا خبرة له بالوقت إليه فيخرج عن محل الكلام لان الرجوع إلى أهل الخبرة مع كون المكلف بنفسه متمكنا من تحصيل العلم مشكل خصوصا لو لم يكن قوله مفيدا للوثوق الفعلي فتلخص مما ذكر ان الاعتماد على الأذان على وجه يجوز له الدخول في الصلاة بمجرد سماع الأذان وان كان المؤذن ثقة أيضا لا يخلو عن اشكال ما لم يحصل وثوق فعلي بالوقت وقد أشرنا انفا إلى أن الامر بالصلاة باذان هؤلاء في صحيحة ذريح ارشادي لا ينافي اشتراط الوثوق وما عداها من الروايات أيضا لا تنهض حجة لاثبات خلافه والله العالم فان فقد العلم أو ما قام مقامه من البينة أو اخبار العدل بل مطلق الثقة على ما قويناه انفا بان تعذر تحصيله لغيم ونحوه اجتهد فإن لم يحصل له ظن وجب عليه تأخير الصلاة لأصالة عدم دخول الوقت ولو نوقش في جريان الاستصحاب في الزمان والزمانيات فالمرجع اصالة عدم
(٧٠)