فالمقصود بالرواية ليس الا بيان كفاية وضع شئ فيما بينهما حائلا سواء بقي الحمار على حالته أم اخذ في المشي كما لا يخفى وأوضح منهما دلالة على قيامه مقام الدفع ما رواه أبو بصير أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام لا تقطع الصلاة شئ كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشئ فإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت الحديث قوله فإن كان الخ سوق لبيان ان المراد بالاستتار ليس حقيقته بل ما يعم وضع حائل فيما بينهما ولو بقدر ذراع ثم إن مقتضى ظاهر هذه الرواية بل وكذا سابقتها اعتبار كون السترة بقدر ذراع رافع من الأرض فما زاد هو ينافي بظاهره ظاهر كلمات الأصحاب بل صريحا من الاكتفاء بخطا وسهم أو رمح ونحوه ومستنده في ذلك بحسب الظاهر هي الأخبار المتقدمة الدالة على استحباب ان يجعل المصلي بين يديه شيئا من حجر أو عنزة أو كومة تراب أو يخط بين يديه خطا وفي دلالتها عليه تأمل لامكان كون ذلك اي جعل شئ بين يديه في حد ذاته مستحبا مستقلا وان لم يكن هناك من يمر بين يديه بل ولا مظنته اللهم الا ان يجعل فهم الأصحاب كاشفا عن أن المراد بها هي السترة ولا ينافي ذلك ظهورها في استحباب وضع شئ مطلقا وان لم يكن مار إذ الظاهر أن الاستتار بالسترة حكمة لشرعيتها فلا يعتبر فيه الفعلية بل ولا الاطراد والله العالم ثم لا يخفى عليك ان المقصود بالدفع الذي حكمنا باستحبابه انما هو ما لا يترتب عليه مفسدة من ظلم أو ايذاء مؤمن ونحوه ضرورة ان المستحب لا يعارض الحرام وما في بعض الروايات من جوازه ولو بقتال فهو من الروايات العامية أو الروايات المشابهة لروايتهم وقد أمرنا بان نذرها في سنبلها والله العالم المقدمة السادسة فيما يسجد عليه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا بنائها عدى ما ستعرف كالجلود والصوف والشعر والوبر والريش ونحوها ولا على ما هو من الأرض بنحو من الاعتبار مما هو خارج عن مسماها حقيقة كما إذا كان معدنا يصح سلب اسم الأرض عنه كالملح والعقيق والذهب والفضة والقبر الا عند الضرورة والتقييد بصحة سلب اسم الأرض عنه للتنبيه على إناطة المنع بهذا لا بصدق اسم المعدن عليه فلا يهمنا البحث عن تحقيق معنى المعدن وانه هل يصدق على حجر الرحى وطين الغسل وارض الجص والنورة ونحوها مما لا تأمل في صحة اطلاق الأرض عليه إذ بعد تسليم صدق اسم المعدن على مثل هذه الأمور وعدم انصراف اطلاقه عنها فهو غير قادح في جواز السجود عليها بعد اندراجها في الموضوع الذي أنيط به الحكم في النصوص والفتاوي وهو مسمى الأرض ولا على ما ينبت من الأرض إذا كان مأكولا بالعادة كالخبز والفواكه ويدل على المنع عن جميع ما ذكر صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال له أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز قال السجود لا يجوز الا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض الا ما اكل أوليس وعن الصدوق في العلل نحوه وزاد عليه فقلت له جعلت فداك ما العلة في ذلك قال لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل و يلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها والسجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ من التواضع والخضوع لله عز وجل وخبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرائع الدين قال لا يسجد الا على الأرض أو ما أنبتت الأرض الا المأكول والقطن والكتان وبهذين وغيرهما يقيد اطلاق ما أنبتت الأرض في خبر أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا يسجد الا على الأرض أو ما أنبتت الأرض الا القطن والكتان ويدل عليه أيضا في الجملة صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال السجود على ما أنبتت الأرض الا ما اكل أو لبس إلى غير ذلك من الاخبار الآتية فهذه الروايات كما تدل على أنه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض ولا نباتها ولا على المأكول أو الملبوس الذي وقع التصريح به أيضا فيها كذلك تدل على جواز السجود على الأرض ونباتها عدى ما اكل ولبس مطلقا كما يدل على ذلك أيضا مضافا إلى ذلك ما رواه الفضيل بن يسار ويزيد بن معاوية جميعا عن أحدهما عليهما السلام قال لا بأس بالقيام على المصلي من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض وان كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه والعبرة بكونه أرضا كونه بعضا من تلك الطبيعة المعهودة المسماة بالأرض فتعم اجزائها المنفصلة مع بقائها على حقيتها وان خرجت بواسطة الانفصال عن مسماها عرفا كما يشهد لذلك مضافا إلى في لخلاف فيه بل قضاء الضرورة به ما رواه حمران عن أحدهما عليهما السلام قال كان أبي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها فإذا لم يكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد وما رواه الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه السلام دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فاخذ كفا من حصى فجعله على البساط ثم سجد عليه ويؤيده أيضا بل يدل عليه المستفيضة الدالة على جواز السجود على طين قبر الحسين عليه السلام بل استحبابه مثل خبر معاوية بن عمار المروي عن مصباح الشيخ قال كان لأبي عبد الله عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ثم قال إن السجود على تربة أبي عبد الله عليه السلام يخرق الحجب السبع وعن ارشاد الديلمي قال كان الصادق عليه السلام لا يسجد الا على تربة الحسين عليه السلام تذللا لله واستكانة إليه وعن الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجل الله فرجه ان كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر هل فيه فضل فأجاب عليه السلام يجوز ذلك وفيه الفضل وعن الصدوق مرسلا قال قال الصادق عليه السلام السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينور إلى الأرضين السبعة ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام كتب مسبحا وان لم يسبح بها ولا يكفي في الأجزاء المنفصلة كالمتصلة مجرد كونه من الأرض بل يعتبر بقائها على حقيقتها وعدم استحالتها إلى طبيعة أخرى بنظر العرف ولذا وقع الكلام في جواز السجود على الجص والنورة والخزف والاجر وأشباههما وقد تقدم في باب التيمم تفصيل الكلام في جميع ما ذكر وعرفت فيما تقدم ان الأقوى جواز التيمم بالجص والنورة بل وكذا في الخزف وشبههما فإنهما بنظر العرف ليسا الا مشوي ما كانا قبل ان يوقد عليهما النار ولا أقل من الشك في ذلك فيستصحب أرضيتهما فكذلك الكلام في المقام إذ المقامين من واد واحد بل ربما يظهر من غير واحد في لخلاف فيه في باب السجود بل ربما يظهر من المصنف رحمه الله في محكى المعتبر كونه من المسلمات التي لا مجال لانكارها فإنه بعد ان منع عن التيمم بالخزف بدعوى خروجه بالطبخ عن كونه أرضا قال ولا يعارض بجواز السجود عليه لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ انتهى فمستند جواز السجود لديه بحسب الظاهر هو الاجماع فجعله مخصصا للأخبار الناهية عن السجود على ما ليس بأرض ويرد عليه ان المجمعين جلهم ان لم يكن كلهم لا يلتزمون باستحالته ولذا يجوزون السجود عليه فلا
(١٩٧)