لم يكن الا أربعة اقدام من الزوال التي هي أفضل أوقات أدائها فمتى طهرت الحائض بعد مضيها فقد خرج وقت صلاتها الأصلي الذي كان مقتضيا للوجوب فلم يجب عليها الفعل ولكنه يستحب رعاية لحق وقتها الثانوي الحاصل لها من باب التوسعة والحاصل ان القول بامتداد وقت الظهرين إلى المغرب لا يستلزم طرح مثل هذه الأخبار على تقدير جامعيتها لشرائط الحجية فالاشكال في المقام انما هو في جواز العمل بتلك الروايات مع وهنها بما سمعت واعتضاد ظاهر الاخبار الامرة بالفعل بالشهرة وان لا يخلو هذا أيضا عن تأمل فأن ما تضمنته هذه الروايات من امتداد وقت العشائين إلى طلوع الفجر مخالف لظاهر غيرها من النصوص والفتاوي المعتضدة بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ولذا حمله غير واحد على التقية أو على الاستحباب وهذا وان لم يسقطها عن الحجية في غير مورد المخالفة بل ستعرف قوة القول بمضمونها في العشائين أيضا ولكنه يوهنها فيشكل ترجيحها على تلك الأخبار التي لا قصور فيها بحسب الظاهر الا من هذه الجهة فالانصاف ان الحكم موقع تردد وان كان الأظهر ما ذهب إليه المشهور من وجوب أداء الصلاتين فيما إذا طهرت قبل اخر الوقت بمقدار أدائهما مع الطهارة لغلبة الظن بان الاخبار المنافية له صادرة عن علة فيشكل رفع اليد بمثل هذه الأخبار عن ظواهر النصوص المتقدمة المعتضدة بالقاعدة التي لعلها هي عمدة مستند المشهور التي قررناها في مبحث الحيض من أن مقتضى الأصل المتلقى من الشارع المستفاد من تتبع النصوص (والفتاوي انما هو وجوب الاتيان بالصلوات المفروضة ولو في خارج الوقت على تقدير فوتها في الوقت) حتى مع عدم تنجز التكليف بها أداء المانع عقلي أو شرعي فضلا عما لو تمكن من الاتيان بها في الوقت جامعة لشرائطها وانما رفعت اليد عن هذه القاعدة في الحائض للنصوص الخاصة الدالة عليه المنصرفة عما لو أدركت من أول الوقت أو اخره بمقدار يسع فعل الطهارة والصلاة واما النصوص المتقدمة فهي مع وهنها بما عرفت ومعارضتها بما سمعت لا تنهض مخصصه لهذه القاعدة فلا ينبغي الاستشكال في وجوب أداء الصلاتين في الفرض مع أنه أحوط ويلحق بذلك ما إذا أدركت من الوقت بمقدار الطهارة وأداء ركعة فلو رأت الطهر قبل الغروب وهي قادرة على أن تتطهر وتصلي خمس ركعات وجب عليها أداء الصلاتين لما ستعرف من أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله والعبرة بقدرتها على الطهارة المائية فان اخبار الباب كفتاوي الأصحاب على ما صرح به بعضهم ناطقة بذلك نعم لو اقتضى تكليفها التيمم لا لضيق الوقت بل لمرض ونحوه اعتبر قدرتها عليه إذ المدار على ما يتبادر من الاخبار ليس الا على اداركها من الوقت بمقدار تتمكن من الخروج عن عهدة تكليفها الذي هو الصلاة مع الغسل لولا مرض ونحوه فلا يكون ضيق الوقت مؤثرا في انقلاب تكليفها إذ لا تكليف مع الضيق لكن لو لم يكن فرضها الا التيمم ولو مع في لضيق فلا يعتبر الا وفاء الوقت بذلك لما أشرنا إليه من إناطة الحكم بكافية الوقت للقيام بشأنها بحسب ما يقتضيه تكليفها من غير تواني وهو حاصل في الفرض وما في بعض الأخبار من اعتبار كونها قادرة على أن تغتسل جاري مجرى الغالب والله العالم تنبيه الأظهر ان جل الاخبار بل كلها الواردة لتحديد أوقات الصلوات ما عدى الطائفة الأولى المذكورة في صدر المبحث الدالة على امتداد وقت الظهرين إلى الغروب والعشائين إلى نصف الليل صدرت على ضرب من التقية لكن من نظر فيها وفي غيرها من اخبار الباب بعين البصيرة وجعل بعضها مفسر البعض يراها مشتملة على مطالب حقة أبرزت بصورة يتأدى بها التقية فان ما ذكرناه من المحامل في مطاوي كلما لنا السابقة لتوجيه الاخبار المختلفة من حمل جملة منها على إرادة وقت الفضيلة وبعضها على إرادة وقت اتى به جبرئيل عليه السلام أو الوقت الأصلي أو غير ذلك من التأويلات المناسبة فإنما هي أمور استفدناها من الإشارات الواقعة في الاخبار بعد التدبر في الجميع وجعل بعضها قرينة لاستكشاف المراد من البعض ولم يكن هذه القرائن بحسب الظاهر معرفة لدى المخاطبين فلم يكونوا يفهمون من الاخبار الا ظواهرها ولذا كثر الاختلاف بينهم في عصر الأئمة عليهم السلام في مواقيت الصلوات وكانوا كثيرا ما يسئلون الأئمة عليهم السلام عن توجيه الاخبار المختلفة كما لا يخفى على المتتبع في الاخبار وقد أشار أبو عبد الله عليه السلام إلى وجه الاختلاف في خبر أبي خديجة قال سئله انسان وانا حاضر فقال ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلون العصر وبعضهم يصلي الظهر فقال عليه السلام انا امرتهم بهذا لو صلوا على وقت واحد عرفوا فاخذوا برقابهم فيظهر من هذه الرواية انه عليه السلام تعمد في التحديدات المختلفة لئلا يكون لصلاة الشيعة وقت مضبوط كي يكون الصلاة في ذلك الوقت من شعارهم فيعرفوا بذلك فالظاهر أن مثل هذه الروايات صدرت على سبيل التورية لأجل المصالح المقتضية لها وفي بعض الأخبار إشارة إلى أن لها محملا صحيحا فتدبر تبصرة حكى عن المفيد في المقنعة تحديد وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يرجع الفئ سبعي الشاخص والعصر إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب وللمضطر والناسي إلى الغروب وعن الحسن عيسى ان أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن ينتهي الظل ذراعا واحدا أو قدمين من ظل قامته بعد الزوال فان تجاوز ذلك فقد دخل الوقت الاخر وان وقت العصر إلى أن ينتهي الظل ذراعين بعد زوال الشمس فإذا جاز ذلك فقد دخل الوقت الاخر وعن النهاية والتهذيب ان اخر وقت الظهر للمعذور اصفرار الشمس وعن أبي الصلاح ان اخر وقت المختار الأفضل للظهر ان يبلغ الظل سبعي القائم واخر وقت الاجزاء ان يبلغ الظل أربعة أسباعه واخر وقت المضطر ان يصير الظل مثله وعن السيد في بعض كتبه امتداد وقت العصر للمختار إلى أن يصير الظل ستة اقدام وفي الجميع مالا يخفى بعد الإحاطة بما مر بل قد لا يساعد على بعض هذه الأقوال شئ من اخبار الباب على كثرتها وشدة اختلافها الا ببعض التمحلات وكيف كان فلا يهمنا الإطالة فيها بعد ان ظهر فيما سبق امتداد وقت الظهرين للمختار إلى الغروب وعدم صلاحية الاخبار المنافية له لمعارضة ما يدل عليه وكذا ظهر أيضا فيما تقدم ضعف ما قيل من أن من غروب الشمس إلى ذهاب الحمرة المغربية للمغرب وللعشاء
(٤٠)