انه أيضا لا يخلو عن مناقشات بل لان رجوعه عن اذنه عند ضيق الوقت ضرر على المأذون حيث يفوته مصلحة الصلاة الاختيارية فينفيه أدلة نفي الضرر والحرج الحاكمتان على قاعدة سلطنة الناس على أموالهم في مثل المقام الذي نشأ الضرر من فعل المالك واذنه بالبقاء ولكن الأقوى خلافه لعدم صدق اسم الضرر عليه عرفا فضلا عن أن يستفاد حكمه من اطلاقات الأدلة ويرجح على ما يقتضيه قاعدة السلطنة فليتأمل ولو امره بالخروج بعد التلبس بالصلاة ففي الاتمام مستقرا مطلقا أو الخروج مصليا كذلك أو القطع لدى الاتساع والخروج مصليا مع الضيق أو التفصيل بين الاذن صريحا في الصلاة ثم الرجوع عن اذنه بعد التلبس بها وبين الاذن في الكون والدخول بشاهد الحال والفحوى فلا يلتفت إلى امره بالخروج في الأول بل يمضي في صلاته مستقرا سواء كان الوقت واسعا أم ضيقا وفي غيره يقطع في السعة ويخرج مصليا لدى الضيق وجوه بل أقوال استدل للقول الأول اي الاتمام مستقرا بحرمة قطع الصلاة بعد ان دخل فيها بأمر شرعي وهي مانعة عن نفوذ امر المالك بالخروج لكونه امره بالمنكر مع اعتضاده بالاستصحاب وان الصلاة على ما افتتحت وان المانع الشرعي عن امتثال المالك بالخروج وهو وجوب المضي في الصلاة كالمانع العقلي وان المالك باذنه في الكون واللبث مثلا قادم على احتمال اشتغاله بما لا يمكنه قطعه فلا يكون التصرف في ملكه من غير رضاه بعد التلبس منافيا لسلطنته بل هو من اثار سلطنته السابقة وقد يقال في توجيه الاستدلال بان ما دل على حرمة التصرف في مال الغير معارض بما دل على حرمة قطع الصلاة ووجوب الاستقرار فيها والركوع والسجود فيرجع على تقدير المكافئة إلى اصالة الجواز في الجميع ما لا يخفى لابتناء الجميع على أن لا يكون رضاء المالك بعد الدخول في الصلاة معتبرا في إباحة هذا التصرف في ملكه وهو مناف لاطلاق ما دل على أنه لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه وان الناس مسلطون على أموالهم فلا يصلح شئ من المذكورات معارضا لهذا الاطلاق لحكومته عليها فان وجوب المضي في الصلاة مشروط عقلا بتمكنه من ذلك وهو موقوف على أن لا يكون بقائه في هذا المكان بعد رجوع المالك عن اذنه حراما وقد دل الدليل على حرمته فاطلاق هذا الدليل حاكم على اطلاق ما دل على حرمة قطع الصلاة ووجوب المعنى فيها لان هذا الاطلاق مقيد بإباحة مكان المصلي وقد دل ذلك الدليل باطلاقه على انتفاء الإباحة عند عدم رضاء المالك بتصرفه فلا معارضة بينهما فليس امر المالك بالخروج بعد ان دل الدليل الشرعي باطلاقه أو عمومه على حرمة بقاء المصلي في ملكه بعد رجوعه عن اذنه امرا بالمنكر بل بالمعروف والاستصحاب لا يعارض الدليل والصلاة على ما افتتحت مما لم يعلم ربطه بالمقام والمانع الشرعي انما هو عن اتمام الصلاة مستقرا لا عن ترك الصلاة في مال الغير فان حرمة التصرف في مال الغير من غير رضاء مانعة عن اتمامها بل عدمها من اجزاء المقتضى لما عرفت في محله من أن إباحة المكان شرط في صحة الصلاة وهي لا تحصل الا بكونه مملوكا عينا أو منفعة أو مأذونا فيه بأحد الوجوه المتقدمة في محله هذا مع أنه لا منافاة بين حرمة القطع وحرمة التصرف في مال الغير بعد رجوعه عن اذنه لامكان الجمع بينهما بالخروج مصليا كما هو مستند القول الثاني اي الخروج مصليا مطلقا ولكن يضعف هذا القول اطلاق ما دل على اعتبار الاستقرار والركوع والسجود فان اعتبار هذه الأمور في الصلاة وان كان مشروطا بالقدرة عليها ولكن الشرط حاصل مع سعة الوقت للخروج وفعل الصلاة في الخارج وحرمة قطع الصلاة لا تصلح مانعة عن ذلك لحكومة أدلة الاشتراط على دليل حرمة القطع إذ على تقدير ان يكون هذه الأمور لدى التمكن منه ولو بتأخير الصلاة شرطا في صحتها كما هو مقتضى اطلاق أدلتها تبطل الصلاة لدى الاخلال بها قهرا فلا يبقى حينئذ موضوع لحرمة القطع ووجوب المضي وقد ظهر لك من أن دليل حرمة القطع لا يصلح ان يزاحم شيئا من اطلاقات أدلة الاجزاء والشرائط المعتبرة في الصلاة مع أنك ستعرف في محله انه لا دليل يعتد به على حرمة قطع الصلاة عدى الاجماع المخصوص بغير مورد الخلاف فالأقوى وجوب القطع لدى الاتساع واما مع الضيق فالخروج مصليا لأنه هو الذي يقتضيه الجمع بين ما دل على حرمة التصرف في مال الغير من غير رضاه وبين ما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال وانه لا يسقط الميسور بالمعسور واطلاقات ما دل على وجوب الاستقرار والركوع والسجود لا تصلح معارضة لما دل على حرمة التصرف في مال الغير لأنها مشروطة بالاختيار وقد جعل الشارع لها بدلا اضطراريا وكل ما كان كذلك لا يصلح ان يزاحم تكليفا ليس كذلك كما تقدمت الإشارة إليه مرارا ولا يتفاوت الحال فيما ذكر بين كون امره بالخروج رجوعا عن اذنه السابق ولو كان الاذن صريحا في خصوص الصلاة وبين عدمه إذ لا يبقى للاذن السابق اثر بعد رجوعه عنه وما يقال من أن الاذن في امر لازم التزام بلزومه كما في الاذن في الغرس والدفن والرهن قد عرفت انفا لخدشة في صغراه وكبراه وانه لا يصح مقايسة ما نحن فيه على الأمثلة المزبورة ونظائرها مما يحدث بواسطة التصرف المأذون فيه بعد تحققه حق للغير مانع عن سلطنته على الرجوع هذا مع انا لو سملنا ان الاذن في ايقاع امر لازم على الغير في ملكه التزام بلزوم ذلك الامر عليه وانه لا يجوز له نقض هذا الالتزام فنقول لزوم المضي في الصلاة الواقعة في ملك الغير مشروط بإباحة مكان المصلي الموقوفة على طيب نفس المالك فلزومه في حد ذاته مشروط بعدم رجوع المالك عن اذنه فليس اذنه الا الالتزام بايقاع امر لازم على تقدير عدم رجوعه عن الاذن فلا يصلح لزومه مانعا عن تأثير الرجوع فليتأمل تنبيه لو أكره على السكون في مكان مغصوب أو اضطر إليه جاز له القيام والقعود والنوم والمشي وغير ذلك من الحركات والسكونات الاختيارية التي ليس لبعضها مزية على بعض من حيث المفسدة وتضرر المالك به أو شدة كراهته له فان كلا من هذه الأفعال نحو من وجودات مطلق الكون الذي اضطر إليه وليس لخصوصية شئ منها خصوصية مقتضية لتعينه مع أنه ينافيه أدلة نفي الحرج فان في الزام المحبوس في مكان مغصوب ببقائه على هيئة خاصة عن قيام أو قعود ونحوه مشقة شديدة كاد ان يكون تكليفا بغير المقدور فعليه ان يصلي حينئذ صلاة المختار كما هو ظاهر غير واحد ولقد أجاد في الجواهر حيث قال بعد ان حقق ما بيناه من أنه يصلي صلاة المختار وانه لا فرق بين سائر أكوانه ما لفظه ومن الغريب ما صدر من بعض متفقهة العصر بل سمعته من بعض مشايخنا المعاصرين من أنه يجب على المحبوس فيه الصلاة على الكيفية التي كان عليها أول الدخول إلى المكان المحبوس فيه ان قائما فقائم وان جالسا فجالس بل لا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى في غير الصلاة أيضا لما فيه من الحركة التي هي تصرف في مال الغير بغير اذنه
(١٧٧)