بجميع صلاته عن قيام بلا مشقة بل الظاهر أن هذا الفرض خارج عن موضوع كلامه إذ الكلام مسوق لبيان حد العجز المتعلق بالصلاة قائما المسوغ للاتيان بها عن جلوس فحصول العجز عنه في الجملة مما لابد منه ولكن قد أشرنا انفا إلى أن المقصود به ليس العجز العقلي بل الضرورة العرفية التي يكون التكليف معها تكليفا حرجيا في العادة ولكن المفيد قدس سره على ما حكى عنه اعتبر صيرورته إلى حد لا يقدر على المشي بقدر صلاته فمن صار إلى هذا الحد يشق عليه الصلاة قائما لا محالة ولكن قد لا ينتهي المشقة إلى حد يعد معها التكليف حرجيا في العادة فحينئذ يظهر ثمرة الخلاف ويحتمل ان يكون مقصوده بهذا التحديد المنع عن الجلوس مع القدرة على المشي وان تعذر عليه القرار لزعمه تقديم صلاة الماشي على الجالس كما حكى عنه ذلك فكأنه قال حد العجز ان لا يتمكن من القيام أصلا ولو ماشيا وكيف كان فمستند هذا القول خبر سليمان بن حفص المروزي قال قال الفقيه عليه السلام (المريض) انما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها ان يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما وأجيب عنه بقصور الخبر المزبور سندا ودلالة عن معارضة المستفيضة المتقدمة الناطقة بأنه لا حد له وان الانسان على نفسه بصيرة اما سندا فواضح واما دلالة فلقوه احتمال كون المقصود بالرواية بيان عدم تحقق العجز عادة ما لم يبلغ ضعف المريض إلى هذا الحد حيث إن الغالب كون الصلاة قائما ولو معتمدا على عصى أو حائط ونحوه ميسورة لمن قدر على المشي بقدرها دون من لم يقدر على ذلك فهي منزلة على الغالب (لأنه قصد بها) فلم يقصد بها ضابطه تعبدية يدور مدارها الحكم نفيا واثباتا كي تنافى الأدلة المتقدمة وقد ظهر بما أشرنا إليه من الغالب كون القادر على المشي بمقدار صلاته متمكنا من أن يصلي واقفا ولو مستندا إلى شئ ضعف الاستدلال بهذه الرواية لترجيح صلاة الماشي على القاعد كما حكى عن جماعة اختياره منهم المفيد والفاضل والشهيد نظرا إلى أن مفادها المنع عن الصلاة جالسا لدى التمكن (من المشي) بقدرها سواء تمكن من الصلاة قائما مستقرا أم لا إذ الغلبة المزبورة مانعة عن ظهورها في هذا النحو من الاطلاق بل المتبادر منه ليس الا ان المريض ما لم يبلغ ضعفه إلى هذا الحد فعليه ان يصلي قائما على حسب ما هو معهود في الشريعة فاطلاقها جار مجرى الغالب من قدرته على ذلك واستدل للقول المزبور أيضا بان مع المشي يتحقق القيام وينتفي الاستقرار وينعكس الامر في الجلوس ودرك الأصل أولى من درك الوصف وفيه انه بعد فرض امكان تدارك الوصف قائما بموصوف اخر اي بعد تسليم استقلال الوصف بالوجوب سواء تقوم بالقيام أم بالجلوس تكون دعوى الأولوية عارية عن الشاهد إذ لا امتناع في أن يكون الجلوس مستقرا أهم وأولى لدى الشارع من القيام بلا استقرار وقد يستل له أيضا باطلاقات أدلة القيام مقتصرا في تقييدها بالاستقرار على القدر المتيقن الذي أمكن استفادته من دليله وهو في حال التمكن كنظائره من الانتصاب والاستقلال والاستقرار المقابل للاضطراب وبقاعدة الميسور كما تقدم الاستشهاد بها في نظائره وفيه ان المتبادر من اطلاقات القيام ولو بواسطة مناسبة المقام أو المعهودية انما هو إرادة الوقوف لا مطلقة الشامل لحال المشي بل قد يقال بأنه حقيقة في خصوص الأول وهو وان لا يخلو عن تأمل بل منع الا انه لا ينبغي التأمل في انصراف اطلاقه إليه خصوصا في الصلاة ونحوها مما يناسبه الوقوف و الاستقرار ولذا استدل غير واحد للمشهور بظاهر المعتبرة المستفيضة الدالة على الانتقال إلى الجلوس بتعذر القيام حيث إن المنساق منها ليس الا إرادة الوقوف من القيام واما القاعدة فجريانها فرع كون المأتى به لدى العرف ميسور المتعذر اي مرتبة ناقصة من مراتبه كما هو الشأن في الموارد التي التزمنا بجريانها فيها ومن الواضح ان القيام المتحقق في ضمن المشي بنظر العرف امر أجنبي عن القيام المعتبر في الصلاة بل الجلوس مستقرا مستقبل القبلة أقرب إلى هيئة المصلي لديهم من القيام ماشيا إلى جهتها هذا مع أن القاعدة انما يصح التمسك بها لو كان القرار شرطا في القيام لا مطلقا مع أنه يظهر من كلماتهم التسالم على اعتباره في الصلاة مطلقا ولو جالسا ولذا قد يورد على أصحاب هذا القول بأنه وان كان مع المشي انتصاب ليس في القعود ولكن في القعود استقرار ليس في المشي فلا يتمشى حينئذ قاعدة الميسور كما هو واضح ولا يتوجه مثل هذا الايراد على الاستدلال بها لفاقد الاستقرار المقابل للاضطراب إذ لم يثبت اعتبار هذا الشرط في الصلاة الا في الجملة وهو لدى التمكن منه على تقدير الاتيان بما هو وظيفته من القيام وغيره مع أنه يكفي لتقديم القيام مضطربا أو منحنيا على الجلوس أو معتمدا على شئ أو على رجل واحدة اطلاقات أدلة القيام المقتصر في تقييدها على القدر المتيقن وهذا بخلاف المقام الذي قلنا بانصراف الأدلة عنه نعم لو لم يكن له حالة استقرار أصلا بان دار الامر بين الصلاة ماشيا أو الجلوس متحركا كما في الراكب لا المضطرب الذي لا يعتد بحركته الاضطرارية أمكن القول بتقديم الأول وربما احتمل التساوي بل ترجيح العكس ان كان الركوب أقر خصوصا إذا كان في محمل ونحوه (والله العالم) وكيف كان فقد تلخص مما ذكر ان القول الأول أظهر والقاعد العاجز عن القيام للقرائة إذا تمكن من مسمى القيام المجزي للركوع من غير حرج اي إذا كان تمكنه من القيام مقصورا على مسماه المجزي للركوع وجب عليه ذلك عند الركوع كي يكون ركوعه عن قيام لما أشرنا إليه في صدر المبحث من وجوب القيام المتصل بالركوع بل ركنيته امنا من حيث هو أو من حيث كونه شرطا في الركوع فلا يسقط بسقوط غيره مما هو معتبر حال القراءة أو التكبير كما عرفت تحقيقه فيما سبق ويحتمل ان يكون المقصود بالعبارة صورة ما لو تجددت القدرة من القيام حال الركوع فهي على هذا التقدير من جزئيات المسألة الآتية الباحثة عما لو تجددت القدرة في الأثناء فلا مقتضى حينئذ لتخصيصه بالذكر والله العالم والا بان تعذر أو تعسر عليه أصل القيام حتى مسماه المصحح لصدق الركوع عن قيام ركع جالسا بلا اشكال ولا خلاف كما يدل عليه جميع الأدلة المتقدمة الدالة على أن من لم يقدر ان يصلي قائما صلى جالسا فإنه وان لم يقع فيها التصريح بالركوع كغيره من الأفعال الواجبة في الصلاة ولكن المفهوم من اطلاق الامر بان يصلي قاعدا لمن عجز عن القيام ان يأتي بتلك الطبيعة المعهودة التي كانت واجبة عليه عن قيام جالسا فلا يسقط عنه شئ مما اعتبر فيها من واجباتها ومستحباتها ما عدى نفس القيام وما يتبعه من الوظائف الشرعية مثل بحول الله وقوته عند النهوض ونحوه والهيئات التكوينية مثل نصب الساقين ورفع الفخذين وتجافى
(٢٦١)