وكيف كان فالقول بالوجوب على تقدير تحققه ضعيف لقصور الاخبار عن افادته بل ربما منع غير واحد من المتأخرين استحبابه أيضا أو تردد فيه اما لضعف سند الروايات كما في المدارك فإنه بعد نقل الخبرين الأولين قال والروايتان ضعيفتا السند جدا والعمل بهما لا يؤمن معه الانحراف الفاحش عن حده القبلة وان كان في ابتدائه يسيرا انتهى أو لأجل الاشكال الذي أورده سلطان المحققين نصير الملة والدين قدس سره على ما حكى عنه على المصنف رحمه الله لما حضر مجلس درسه يوما واتفق الكلام في هذه المسألة من أن التياسر امر إضافي لا يتحقق الا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى جهة فان كانت تلك الجهة محصلة لزم التياسر عما وجب التوجه إليه وهو حرام لأنه خلاف مدلول الآية وان لم يكن محصلة لزم في مكان التياسر إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي يتياسر عنها فكيف يتصور الاستحباب بل المتجه حينئذ وجوب التياسر المحصل لها فاجابه المصنف رحمه الله في المجلس على ما قيل بجواب اقناعي ثم كتب في المسألة رسالة في تحقيق الجواب فاستحسنه المحقق المزبور وذكر في الحدائق ان ابن فهد نقل الرسالة المزبورة بعينها إلى كتابة المهذب من أحب الوقوف على ذلك فليراجع الكتاب المزبور وذكر بعض ان المصنف رحمه الله بنى في تلك الرسالة هذا الحكم على القول بان القبلة للبعيد الحرم فيشكل الالتزام حينئذ بذلك ان لم نقل بكون الحرم قبلة بل قد يشكل على هذا القول أيضا نظرا إلى أن الامارات المنصوبة لتشخيص القبلة ان كانت مؤدية إلى محاذاة عين الكعبة فالانحراف اليسير في العراق يوجب البعد الكثير عنها بحيث يخرج عن محاذاة الحرم أيضا والا فلا يجدي ولذا قيل جواب المصنف رحمه الله غير حاسم لمادة الاشكال ويمكن التفصي عن ذلك بان الامارات المنصوبة للبعيد لا يحرز بها محاذاة الغير حتى يشكل الانحراف اليسير وانما يحرز بها السمت الذي يكون استقباله استقبالا للكعبة عند عدم مشاهدة العين بنحو من الاعتبار العرفي وقد أشرنا مرارا إلى أن الانحراف اليسير غير قادح في صدق استقبال الجهة فلا مانع عن أن يكون أوسعية الحرم في يسار الكعبة حكمة لاستحباب التياسر عما كان عليه وضع أهل العراق في استقبال القبلة في مساجدهم ونحوها تعويلا على العلائم التي يحرز بها جهة الكعبة مع ما في التياسر من أقربية احتمال المحاذاة الحقيقية بلحاظ ان القبلة في يسار الكعبة التي هي ملحوظة في تلك العلائم أوسع فالقول بالاستحباب كما هو المشهور قوي لكن لا يخفي عليك ان التياسر امر إضافي فلا يستفاد من الاخبار الا استحباب التياسر إلى يسار المصلين من العراق على حسب ما كان متعارفا عندهم في تلك الاعصار فلعلهم كانوا يصلون على الوضع الذي بنى عليه بعض المساجد القديمة كمسجد الكوفة ونحوها فلا يصح الحكم باستحباب التياسر إلى يسار المصلين على الوضع الذي بنى عليه المساجد الحادثة التي هي بالذات مبنية على التياسر بالإضافة إلى تلك المساجد كما لا يخفى وربما وجه بعض من أشكل عليه المسألة الأخبار المتقدمة بما تقدمت الإشارة إليه في صدر العنوان قال المحدث المجلسي رحمه الله في مجلد الصلاة من كتاب بحار الأنوار على ما حكى عنه بعد ذكر الاشكال المتقدم ونقل حاصل جواب المحقق رحمه الله في رسالته والإشارة إلى أنه غير حاسم لمادة الاشكال ما صورته والذي يخطب في ذلك بالبال انه يمكن ان يكون الامر بالانحراف لان محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فان انحراف قبلة إلى اليمين أزيد مما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا وكذا مسجد سهله ومسجد يونس لوما كان أكثر تلك المساجد مبنية في زمان خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فامروا بالتياسر وعللوه بتلك الوجوه الخطابية لاسكاتهم وعدم التصريح بخطاء خلفاء الجور وأمرائهم وما ذكره أصحابنا من أن محراب المعصوم لا يجوز الانحراف عنه انما يثبت إذا علم أن الامام عليهم السلام بناه ومعلوم انه عليه السلام لم يبنه أو صلى فيه من غير انحراف وهو أيضا غير ثابت بل ظهر من بعض ناسخ لنا من الآثار القديمة عند تعمير المسجد في زماننا ما يدل على خلافه كما سيأتي ذكره مع أن الظاهر من بعض الأخبار ان هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين عليه السلام انتهى الثاني احكام المستقبل وهي كثيرة منها انه يجب الاستقبال في الصلاة الواجبة وغيرها مما نعرفه إن شاء الله في محالها مع العلم بجهة القبلة ويحصل العلم بجهتها بالمعاينة والشياع والخبر المحفوف بالقرائن وباخبار المعصوم أو صلاته أو محرابه أو قبر بناه ما لم يتطرق فيها احتمال تقية ونحوها وربما جعل بعض محراب المعصوم وما جرى مجراه بمنزلة اخباره بالجهة الخاصة المحاذية للعين في كونه كالمشاهدة محصلا للعلم بالجهة المحاذية لها حقيقة وفيه نظر إذ لم يثبت إناطة اعمالهم الظاهرية بالعلم المخصوص بهم الغير الحاصل من أسباب عادية فيحتمل قويا علوم كونهم مكلفين الا بالتوجه شطر المسجد على حسب ما يؤديه الأسباب العادية الموجبة للعم بجهتها فلا يعلم حينئذ انهم راعوا في صلاتهم أو محرابهم مثلا علمهم الذي خصهم الله به وكيف كان فالبحث عن ذلك قليل الجدوى إذ لم يثبت عندنا في هذه الاعصار محراب أو قبر بناه المعصوم أو شخص جهته باقيا على هيئته الأصلية ومن جملة الامارات الموجبة للعلم بجهة القبلة بل أوضحها وأعمها نفعا هي العلائم التي ذكرها الأصحاب لتشخيص قبلة البلاد كوضع الجدي على المنكب الأيمن ونحوه المستنبطة من قواعد الهيئة ونحوها فإنها وان لم تكن موجبة للعلم بمقابلة العين بلا ولا الظن بها ولكنها طريق عادي للعلم بجهتها بحيث لا يكاد يتطرق فيها غالبا احتمال التخطي وناديتها إلى سمت اخر أجنبي عن جهة الكعبة فان جهلها اي جهة القبلة ولم يتمكن من تشخيصها بشئ من العلائم الموجبة للقطع بها عول في تشخيصها على العلامات المفيدة للظن بها كالضوء الكثير اخر النهار في يوم الغير المفيد للظن بان ذلك الجانب هو المغرب وفي أول النهار فيظن بأنه المشرق أو في جانب من السماء فيظن بأنه موضع الشمس أو القمر فيميز بذلك جهة القبلة بالمقايسة وكالرياح الأربع لمن عرف طبايعها واستنبط من الريح ان مهبه المشرق أو المغرب أو الجنوب أو الشمال فيستدل بذلك على سمت القبلة إلى غير ذلك من الامارات الحدسية الموجبة للظن بجهتها وربما مثل بعض لذلك بالقمر فإنه يكون ليلة السابع من الشهر في قبلة العراقي أو قريبا منها عند المغرب وليلة الرابع عشر عند نصف الليل وليلة الحادي و العشرين عند الفجر الا ان ذلك كله تقريبي لا يستمر على وجه واحد كما هو واضح فتشخيص جهة القبلة به ظني وفيه نظر فان القمر في الليالي المزبورة من العلائم
(٩٤)