مشوبا بالطلب ولذا يفهم منه الكراهة فضلا عما لو صدر منه الامر بشئ أو النهي عنه فقولنا ان الأوامر والنواهي المتعلقة بكيفية العمل ظاهره الارشاد وبيان الحكم الوضعي لا نعني بذلك ادعاء كونها بمنزلة الاخبار معراة عن الطلب بل المقصود بذلك ادعاء ان المتبادر من مثل هذه التكاليف كون متعلقاتها معتبرة في ذلك العمل وكون التكليف المتعلق بها مسببا عن ذلك لاعن كونها من حيث هي مقصودة بالطلب فان كانت تلك التكاليف الغيرية بصيغة الامر أو النهي أو نحوهما مما كان ظاهره وجوب الفعل أو الترك تدل بظاهرها على كون متعلقاتها معتبرة في قوام ذات المأمور به إذ لولا كونها كذلك لقبح الالزام بها وان عبر عنها بلفظ ينبغي أو لا ينبغي أو لا يصلح أو نحو ذلك فان بنينا على ظهور مثل هذه الألفاظ في الاستحباب فيفهم منه كون متعلقه شرط الكمال وان قلنا باجمال مثل هذه الألفاظ وعدم دلالتها الا على رجحان متعلقها فعلا أو تركا يتردد الامر بين كون المتعلق شرطا للصحة أو الكمال فيرجع في تشخيص حكمه إلى ما يقتضيه الأصول العملية هذا إذا كان المكلف به في حد ذاته واجبا كي يمكن ابقاء الطلب المتعلق بكيفية على ظاهره من الوجوب واما ان كان مستحبا فلا يعقل ان يكون الطلب المتعلق بكيفيته الزاميا اللهم الا ان يقصد به تكليفا نفسيا وهو خلاف الظاهر فيشكل حينئذ استكشاف كون متعلقه معتبرا في قوام ذات الشئ أو شرطا لكماله من مجرد التعبير بلفظ الامر أو النهي مثلا لو امر المولى عبده بطبخ طعام أو تركيب معجوم لم يعرف العبد اجزائه وشرائطه فسئل مولاه عن ذلك فقال له المولى عند إرادة شرح ذلك التكليف اذهب إلى السوق واشتر كذا وكذا وهكذا إلى أن عدد له عدة أشياء وأمره بتركيبها وضم شئ من الزعفران إليها ونهاه ان يضع فيها الملح أو الماء أو غير ذلك فشك العبد في شئ منها انه هل هو شرط للكمال فيجوز الاخلال به أم لا وجب عليه التعبد بظاهر كلامه والالتزام بلزوم الجميع وكونها معتبرة في قوام ذات المطلوب واما إذا علم العبد بان التكليف من أصله ندبي وانه يجوز له مخالفة كل من هذه الأوامر والنواهي سواء كان شرطا للصحة أو للكمال فشك في أن ضم الزعفران إليه هل هو من مقومات نهية أو موجب لكماله أو ان وضع الملح هل هو مفسد له بالمرة فيجعله كالعدم أو انه يؤثر فيه منقصة غير قادحة في حصول أصل المقصود أشكل استفادة كونه معتبرا في أصل الماهية من ظاهر الأمر والنهي بعد ان علم بعدم كونه واجب الامتثال وثانيا لو سلمنا ظهور النهي في كون متعلقه منافيا لأصل الطبيعة من حيث هي من غير فرق بين الواجب والمستحب كما ليس بالبعيد خصوصا فيما إذا كان مسبوقا بالسؤال عن المهية المشعر بإرادة ما يعتبر في قوامها لا في كمالها كما في جملة من اخبار الباب فهو في غير مثل القيام الذي علم صحة الإقامة بدنه وفي الجملة اي في حال الضرورة إذ الظاهر أن جوازه بلا قيام لدى الضرورة من باب قاعدة الميسور لا من قبيل تعدد الموضوع كالمسافر والحاضر فيشكل في مثل المقام استفادة المساواة بين اهمال الوصف وترك الموصوف رأسا كما هو قضية اعتباره في أصل الماهية من مثل هذه الأخبار ولذا لم يفهم المشهور منها الا الاستحباب فهذا هو الأقوى والله العالم ويستحب أيضا ان يكون (المؤذن) قائما على مرتفع كما يدل عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان طول حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة فكان يقول لبلال إذا دخل الوقت يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فان الله عز وجل قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء وان الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا هذه أصوات أمة محمد صلى الله عليه وآله بتوحيد الله عز وجل ويستغفرون لامة محمد صلى الله عليه وآله حتى يفرغوا من تلك الصلاة وليس للمنارة خصوصية مقتضية لاختيارها على سائر افراد المرتفع فإنها ليست من السنة كما يدل عليه خبر علي بن جعفر قال سئلت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الأذان في المنارة أسنة هو فقال انما كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله في الأرض ولم يكن يومئذ منارة وربما يستشعر من هذه الرواية كراهة الصعود على المنارة للأذان ولعله لما فيه من الاشراف على بيوت الناس كما لا يبعد ان يكون هذا هو الوجه لما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابائه عن علي عليهم السلام انه مر على منارة طويلة فامر بهدمها ثم قال لا ترفعوا المنارة الا مع أسطح المسجد ويستحب ان يرفع صوته بالأذان كما يدل عليه رواية ابن سنان المتقدمة وفي رواية محمد بن مروان عن الصادق عليه السلام المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شئ سمعه وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وكل ما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان اجرك في ذلك أعظم وان يضع إصبعيه حال الأذان في اذنيه كما يدل عليه خبر الحسن بن السري عن أبي عبد الله عليه السلام قال السنة ان تضع إصبعيك في اذنيك في الأذان ولو اذنت المرأة للنساء جاز كما عرفته عند المبحث عن اشتراط الذكورة في مؤذن الرجال ولو صلى منفردا ولم يؤذن ولم يقم ساهيا رجع مع سعة الوقت إلى الأذان والإقامة مستقبلا صلاته ما لم يركع على المشهور كما نسب إليه لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا افتتحت الصلاة فنسيت ان تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل ان تركع فانصرف واذن وأقم واستفتح الصلاة وان كنت قد ركعت فأتم على صلاتك وفيه رواية أخرى بل روايات فربما يظهر من بعضها انه إذا ذكرهما بعد ان دخل في الصلاة مضى في صلاته كصحيحة زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة وخبره الاخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له رجل نسي الأذان والإقامة حتى كبر قال يمضي على صلاته ولا يعيد وصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال ليس عليه شئ وربما يستشعر من قوله عليه السلام في صحيحة داود ليس عليه شئ ومن التعليل الواقع في صحيحة زرارة بان الأذان سنة كون هذه الروايات مسوقة لدفع توهم الوجوب فمن هنا قد يتوهم انها لا تدل الا على جواز المعنى لا وجوبه كي يتحقق التنافي بينها وبين صحيحة الحلبي المتقدمة وغيرها من الاخبار ويدفعه ان ورودها في مقام توهم الوجوب لا يصلح مانعا عن ظهور قوله عليه السلام فليمض في الرواية الأولى في الوجوب ولا يعيد في الثانية في الحرمة بل التعليل بان الأذان سنة ربما يؤكد هذا الظاهر بعد الالتفات إلى أن الصلاة في حد ذاتها مما يحرم قطعها وان السنة لا تنقض الفريضة فالخبر ان الأولان اي خبر زرارة ظاهرهما وجوب المضي وحرمة الاستيناف ولكن يتعين صرفهما عن هذا الظاهر بالحمل على إرادة الجواز الغير المنافي لاستحباب الإعادة جمعا بينهما وبين
(٢١٥)