بمنزلة العلم بذلك فلا يسوغ معه الاجتهاد لكونه بمنزلة الاجتهاد في مقابلة النص فما زعمه بعض من أن النسبة بين ما دل على وجوب الاجتهاد وبين ما دل على حجية البينة التي هي أوضح حالا من خبر العدل العموم من وجه فلابد في مورد الاجتماع من ملاحظة المرجح ليس على ما ينبغي بل قد يقوى في النظر عدم اشتراط العدالة أيضا وكفاية كون المخبر ثقة مأمونا عن الكذب ان لم ينعقد الاجماع على خلافه كما تقدمت الإشارة إليه في ذلك المبحث فلا ينبغي ترك الاحتياط في مثل الفرض بالجمع بين العمل تقول المخبر وبظنه الناشي من اجتهاده هذا إذا لم يحصل من خبره ظن أقوى من ظنه الحاصل باجتهاده والا فقد عرفت ان قوله هو المتبع على هذا التقدير وان كان حدسيا فضلا عما لو كان حسيا فتلخص مما ذكر ان اخبار المخبران قلنا بكونه حجة في مثل المقام من حيث هو كما هو الأقوى فيما إذا كان الاخبار حسيا وكان المخبر عدلا بل ثقة في وجه قوي فهو المرجع والا فهو احدى الامارات المفيدة للظن يدور التكليف مدار افادته الظن الفعلي من غير فرق بين مصاديقه وبهذا ظهر لك انه لو لم يكن له طريق إلى الاجتهاد فأخبره كافر بجهة القبلة أو اجتهد فأخبره الكافر بخلاف اجتهاده وان قيل لا يعمل بخبره مطلقا لقوله تعالى ان جاؤكم فاسق بنبأ فتبينوا ولكن الذي يقوي عندي ما قواه المصنف رحمه الله من أنه ان أفاد الظن الفعلي عمل به كما هو الغالب فيما إذا كان خبيرا لقواعد الهيئة بل قد يقال في مثل الفرض بكون قوله حجة بالخصوص وان كان حدسيا وفيه نظر بل منع والأقوى ما عرفت ويعول على قبلة البلد إذا لم يعلم أنها بنيت على الغلط اجماعا كما عن التذكرة وكشف الالتباس نقله لأنها من أقوى الامارات الموجبة عادة للقطع بجهة القبلة مع أنها لو لم تفد القطع بذلك لجاز أيضا الاعتماد عليها لما أشرنا إليه سابقا من قضاء الضرورة بعدم ابتناء امر القبلة على القواعد الرياضية وان المعول عليه في تشخيصها هي الطرف المتعارف عند العرف والعقلاء في تشخيص سمت ساير البلاد ومن الواضح ان استمرار عمل أهل البلد من أوضح الطرق التي يعول عليها العرف في تشخيص القبلة ولذا استمر سيرة المسلمين في جميع الأعصار والأمصار على التعويل عليها وقررهم العلماء على ذلك وصرحوا بجوازه من غير نقل خلاف فيه بل دعوى الاجماع عليه فلا ينبغي الارتياب في أن قبلة البلد امارة معتبرة لتشخيص القبلة ولذا صرح غير واحد من الأصحاب على ما في الجواهر ل لم يعرف خلافا بينهم بأنه لا يجوز العمل على الاجتهاد فيها جهة وعن الذكرى وجامع المقاصد القطع بذلك فلو اد فظنه الاجتهادي الحاصل من القواعد الرياضية وشبهها إلى خلافها لا يعتني به في مقابل هذه الامارة التي هي بمنزلة العلم نعم لو حصل له القطع بذلك من تلك القواعد عمل بموجبه إذ لا عبرة بامارة علم مخالفتها للواقع كما هو واضح فما عن المبسوط من أنه إذا دخل غريب إلى بلد جاز ان يصلي إلى قبلة البلد إذا غلب في ظنه صحتها فإذا غلب على ظنه انها غير صحيحة وجب ان يجتهد ويرجع إلى الامارات الدالة على القبلة انتهى وعن المهذب نحوه لا يخلو من نظر اللهم الا ان يريدا بغلبة الظن اعتقاد الخطاء أو يقولا بوجوب مقابلة نفس الكعبة أو الحرم عينا لا جهة فيتجه حينئذ القول باعتبار عدم ظن الخطاء بل ظن الصحة بل الأوجه على هذا التقدير القول بعدم اعتبار قبله البلد رأسا ضرورة عدم انضباطها بذلك الحد فان قبلة البلد عبارة عن الجهة التي بنى عليه مساجدهم ومحاريبهم ومقابرهم ويستقبلها أهله في الصلاة ونحوها ومن الواضح اختلاف بعضها مع بعض بمقدار يمتنع مقابلة جميعها في البلاد النائية لعين الحرم فضلا عن الكعبة وعن دعوى ان هذا المقدار من الاختلاف انما يخل المحاذاة الحقيقية دون الحسية التي يراها العرف استقبالا حقيقيا بواسطة البعد غيره مسموحة بعد انا نرى في الحس خلافها عند المقايسة بالأنجم التي نقابلها حسا التي هي بعد من الكعبة اضعافا مضاعفة فهذا من أوضح المفاسد التي يرد على القائلين باعتبار مقابلة العين حيث إنه قولهم بهذا يناقض التزامهم بجواز الاعتماد على مثل هذه الامارات التي لا يمكنهم انكارها فتلخص مما ذكر انه جواز التأويل على قبله أهل البلد المستكشفة بمحاريبهم ومقابرهم ونحوها مما لا مجال لانكاره ولا يجوز مخالفتها بالظنون الاجتهادية المؤدية لخلافها اللهم الا ان يكون مؤدي الاجتهاد الاختلاف اليسير الغير الموجب للخروج عن الجهة العرفية التي قد بينا مرارا ان هذا النحو من العلائم لا تفيد الا معرفتها الا على سبيل الاجمال فلا ينافيها تشخيص كون الكعبة في يمين محراب البلد مثلا أو يساره بظنه الاجتهادي فله التعويل عليه حينئذ كما عن جماعة من الأصحاب التصريح به ومن ليس متمكنا من الاجتهاد فضلا عن العلم وما يقوم مقامه كالأعمى يعول على غيره ان أفاد خبره الظن لكونه أيضا ضربا من الاجتهاد المأمور به في تشخيص القبلة كما تقدمت الإشارة إليه أو كان المخبر عدلا وكان خبره حسيا لما أشرنا إليه انفا من حجية خبر العدل في مثل الفرض على الأقوى بل قد نفينا البعد عن كفاية مجرد الوثاقة من غير اشتراط العدالة وان كان الالتزام به ما لم يفد وثوقا فصليا في غاية الاشكال وكيف كان فالأظهر انه لا فرق بين الأعمى وغيره في أنه متى تمكن من تشخيص جهة القبلة بامارة معتبرة كالجدي أو المشرق والمغرب أو قبلة بلد المسلمين ونحوها مباشرة أو بالاستعلام من الغير على وجه يفيد قوله الجزم بذلك أو كان حجة شرعية كالبنية وخبر العدل ان قلنا به وجب عليه ذلك والا وجب عليه معرفتها بالأمارات الظنية التي منها اخبار الغير فيجوز الاعتماد عليه حينئذ إذا أفاد الظن والا فلا فما يظهر من المتن وغيره من اختصاص الأعمى ومن بحكمه بهذا الحكم اي الرجوع إلى الغير الذي أريد به تقليده لا يخلو من نظر لأنه ان أفاد قول الغير الوثوق والاطمينان بجهة القبلة التي يصلي إليها عامة الناس في موضع السؤال كما هو الغالب أو كان قوله من حيث هو حجة شرعية فلا فرق بين الأعمى وغيره والا فقال يجوز التعويل عليه عند التمكن من العلم أو ما قام مقامه من الامارات المعتبرة وعند تعذره يجوز لكل أحد ان أفاد الظن والا فلا يجوز مطلقا دعوى ان الأعمى و من قام مقامه كالجاهل بالاحكام الذي وظيفته التقليد فلا عبرة بظنه من حيث هو غير مسموعة إذ لا شاهد عليها فان جواز التقليد موقوف على الدليل وهو مفقود وتنظيره على الجاهل بالاحكام قياس مع وجود الفارق حيث إن الأعمى غالبا متمكن من تحصيل القطع بجهة القبلة بتشخيص قبلة البلد بحضور المساجد والجماعات وبالاستخبار ممن يعتقد صدقه وعدم خطائه في تشخيص القبلة فضلا عن تمكنه من تحصيل الظن بها غاية الأمر انه لا يتمكن من الرجوع إلى بعض الامارات المتوقفة
(٩٦)