وقد يستدل أيضا بأنها ان أسرت الأذان لم يسمعوه ولا اعتداد بما لا يسمع وان أجهرت عصت فلا يقع فعلها عبادة وفي مقدميته نظر بل منع وفصل بعض بين المحارم (وغيرهم) فاجتزى بأذانها للمحارم دون غيرها وفيه ما عرفت من أنه لا دليل على الكفاية للمحارم أيضا كغيرهم فالقول بعدم الكفاية مطلقا كما يقتضيه اطلاق كلماتهم هو الأشبه نعم لا ينبغي الارتياب في كفاية أذانها لجماعة النساء لا لما ادعى عليه من الاجماع فان الاعتماد على الاجماع فضلا عن نقله في مثل المقام الذي هو فرضي حيث إن المسألة من أصلها ليست باجماعية لا يخلو عن اشكال بل لاستفادته مما دل على جواز امامتها لهن حيث إن المراد به على ما ينسبق إلى الذهن انما هو مشروعية الجماعة لهن على حسب ما هو المتعارف المعهود بين الرجال فيلحقها احكامها من سقوط الأذان عن المأموم كالقراءة بفعل الإمام أو غيره على حسب ما هو المعروف في الجماعة ولذا لا حاجة في تسرية كل حكم من احكام الجماعة إلى جماعتهن كسقوط القراءة ونحوه إلى مطالبته دليل خاص كما هو واضح ولا يشترط فيه البلوغ بل يكفي كونه مميزا حتى في أذان الصلاة بلا خلاف فيه على الظاهر بل اجماعا كما ادعاه غير واحد ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول لا بأس ان يؤذن الغلام قبل ان يحتلم ولا يؤم فان أم جازت صلاته وفسد صلاة من خلفه وعن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال لا بأس ان يؤذن العبد والغلام الذي لم يحتلم وخبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وان يؤم وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بالغلام الذي لا يبلغ الحلم ان يؤم القوم وان يؤذن ويستحب ان يكون عدلا لما رواه الصدوق مرسلا قال قال علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله يؤمكم أقربكم ويؤذن لكم خياركم وعن ابن الجنيد رحمه الله اشترطاه في صحة الأذان وهو ضعيف ثم إن مرجع هذا الندب بحسب الظاهر إلى المكلفين بمعنى انه يستحب لهم عند اختيارهم مؤذنا لجماعتهم أو للاعلام في بلدهم ان يختاروا العدل قال الشهيد في محكى الروض واعلم أن استحباب كون المؤذن عدلا لا يتعلق بالمؤذن لصحة أذان الفاسق مع كونه مأمورا بالأذان بل الاستحباب راجع إلى الحاكم بان ينصبه مؤذنا لتعمم فائدته انتهى ولعل تخصيصه للحاكم بالحكم لرجوع اختيار هذه الأمور عادة إليه لا لكونه بالخصوص موردا للاستحباب وكذا يستحب ان يكون صيتا اي رفيع الصوت كما فسره به في الحدائق وغيره وعن جملة من اللغويين تفسيره بتشديد الصوت والاختلاف بين التفسيرين على الظاهر في مجرد التعبير واستدل له بفتوى الأصحاب وقول النبي صلى الله عليه وآله القه على بلال فإنه أندى منك صوتا وقد يستدل له أيضا بالاخبار الدالة على استحباب رفع الصوت بالأذان وفيه انه أجنبي عن المقام فليتأمل ويستحب أيضا ان يكون مبصرا وعلله غير واحد بتمكنه من معرفة الأوقات والأولى التعليل له بفتوى الأصحاب وما عن بعضهم من نقل الاجماع عليه بعد البناء على المسامحة وأن يكون بصيرا بالأوقات التي يؤذن لها وعلله بعض بالأمن من الغلط وفي كفاية هذا النحو من المرجحات لاثبات الاستحباب تأمل والأولى الاستدلال له بفتوى الأصحاب من باب المسامحة فليتأمل متطهرا اجماعا كما عن جماعة نقله وكفى به دليلا لمثله مضافا إلى المرسل المروي عن كتب الفروع لا تؤذن الا وأنت متطهر وفي اخر حق وسنة ان لا يؤذن أحد الا وهو طاهر ويشهد له أيضا الخبر الآتي المروي عن كتاب دعائم الاسلام وليس بشرط بلا خلاف فيه على الظاهر ويشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة وصحيحة الحلبي أو حسنة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس ان يؤذن الرجل من غير وضوء ولا يقيم الا وهو على وضوء وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس ان تؤذن وأنت على غير طهور ولا تقيم الا وأنت على وضوء وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن الرجل يؤذن على غير طهور قال نعم وموثقة أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام في حديث لا بأس ان تؤذن على غير وضوء وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول في حديث لا بأس ان يؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل وخبر علي بن جعفر المروي عن كتاب قرب الإسناد عن أخيه عليه السلام قال سئلته عن المؤذن يحدث في أذانه أو قامته قال إن كان الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة وخبر علي بن جعفر المروي عن كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزيه ذلك قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا يقيم الا على وضوء قلت فان أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته قال لا وعن كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال لا بأس ان يؤذن الرجل على غير طهر وعلى طهر أفضل ولا يقيم الا على طهر فلا ريب في عدم شرطية الطهارة للأذان بل يجوز مع الحدث الأكبر أيضا كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة واما الإقامة فظاهر جميع الأخبار المزبورة مما وقع فيها التعرض للإقامة اعتبار الطهارة فيها كما ذهب إليه جماعة من القدماء (والمتأخرين) خلافا لما حكى عن المشهور من الاستحباب ولم نقف لهم على دليل يعتد به صالح لصرف هذه الأخبار الكثيرة عن ظاهرها زيادة على الأصل المعلوم عدم معارضته للدليل فكان المشهور لم يفهموا من الاخبار المزبورة الا إرادة الحكم التكليفي لا الوضعي اي شرطية الطهارة أو مانعية الحدث وحيث إن كون الإقامة بلا طهارة حراما ذاتيا مستبعد في الغاية حملوا اخبارها على كراهة ترك الطهارة أو استحباب فعلها وفيه ان المنساق إلى الذهن من نحو هذه التكاليف الغيرية المتعلقة بكيفية العمل إرادة الوضع لا التكليف كما هو الشان في جميع الأوامر والنواهي الواردة في باب الصلاة ونظائرها ولا أقل من أن حملها على الوجوب الشرطي أولى من الحمل على الاستحباب أو كراهة الترك ولكن لقائل ان يقول إن دعوى انسباق الشرطية إلى الذهن من الاخبار في مقابل المشهور غير مسموعة لأن تخطئة المشهور فيما يتبادر من النص خطأ فعدم فهم المشهور منها الشرطية كاشف اما عن فساد الدعوى من أصلها أو في خصوص المورد لخصوصية مانعة عن ظهورها في الطلب الشرطي مع أنه يكفي في ذلك الشك في الخصوصية المانعة حيث إن مقتضى الأصل كون الأوامر والنواهي شرعية لا شرطية
(٢١٣)