تقريب الاستشهاد بهذه الاخبار لوجوب الإقامة من وجهين أحدهما اشتمالها على لفظ الامر الظاهر في الوجوب وثانيهما انها لو لم تكن واجبة لما استبيح بها حرمة قطع الصلاة ويدفعهما انه قد يجوز قطع الصلاة لفائدة دنيوية فلا مانع من أن يجوز ذلك لتحصيل فضيلة الإقامة والأوامر الواردة في مثل هذه الأخبار لورودها في مقام توهم الخطر لا تدل الا على الجواز هذا مع ما ستعرف في محله من في مكان حمل الامر الوارد فيها على الوجوب لما فيها من المعارضة والاختلاف على وجه لا يكاد يلتئم شتاتها الا بالحمل على الاستحباب والحاصل ان من تدبر في اخبار الباب وجمع بينها يرد متشابهها إلى محكمها الرأي قصورها عن إفادة الوجوب خصوصا بعد الالتفات إلى أنه لو كان شئ منهما واجبا في الشريعة لضاد وجوبه كوجوب الفرائض الخمس من ضروريات الدين فضلا عن أن ينعقد الشهرة التي كادت تكون اجماعا على خلافه فاشتهار القول بالاستحباب بين الأصحاب في مثل هذه المسألة العامة الابتلاء بنفسه قرينة كاشفة عن المراد عما كان ظاهره الوجوب كما أنه جابر لما في أدلة الاستحباب من الضعف في سند أو دلالة فليتأمل بقي الكلام فيما صرح به المصنف وغيره بل في محكى المنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الاجماع عليه من أنه يشترط على النساء في الأذان والإقامة الاسرار ومرادهم به على ما فسره بعض بل ربما يلوح من كلماتهم خفاء صوتها عن الأجانب لا مطلقا ومستندهم في ذلك على الظاهر كما يشير إليه بعض كلماتهم الآتية هو البناء على أن صوتها عورة والا فليس في شئ من الاخبار الواصلة الينا في هذا الباب ما يشعر باعتبار هذا الشرط وحيث لم يتحقق لدينا ما بنوا عليه من كون صوتها عورة بل تحقق خلافه اتجه القول بعدم اعتباره كما ذهب إليه غير واحد من متأخري المتأخرين وربما يظهر ذلك مما حكى عن الشيخ في المبسوط حيث قال على ما حكى عنه إذا اذنت المرأة للرجال جاز لهم ان يعتدوا به ولا يقيموا لأنه لا مانع منه إذ الظاهر أن مراده الاعتداد بأذانها فيما إذا اذنت لهم بحيث سمعوا أذانها فان هذا هو المتبادر من كلامه ومن المستبعد ان يلتزم ببطلان أذانها في حد ذاته واعتداد الغير به أو الالتزام بحرمته دون البطلان وكيف كان فقد حكى عن العلامة في المنتهى أنه قال يجوز ان تؤذن المرأة للنساء ويعتدون به ذهب إليه علمائنا إلى أن قال وقال علمائنا إذا اذنت المرأة أسرت بصوتها لئلا تسمعه الرجال وهو عورة وقال الشيخ يعتد بأذانهن وهو ضعيف لأنها ان أجهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد والا فلا اجتزاء به لعدم السماع انتهى وعن المصنف في المعتبر أنه قال ويجوز ان يؤذن النساء للنساء ويعتددن به وعليه اجماع علمائنا لما روى من جواز امامتها لهن وإذا جاز ان تأمهن جاز ان تؤذن لهن لأن منصب الإمامة أتم وتسر أذانها ولا تؤذن للرجال لأن صوتها عورة ولا يجتزي به قال في المبسوط يعتد به ويقيمون لأنه لا مانع منه لنا انها ان أجهرت فهو منهى عنه والنهي يدل على الفساد وان أخفت لم يجتزأ به لعدم السماع انتهى أقول وفي كلامهما شهادة بما أشرنا إليه في صدر المبحث من أن مستند القول باشتراط الاسرار انما هو دعوى ان صوتها عورة وهي في غير المنع وبه يندفع اعتراضهما على الشيخ ولكن مع ذلك قد يشكل الالتزام بمقالة الشيخ من اعتداد الرجال بأذانها وان جوزنا لهم سماع صوتها نظرا إلى ما قد يدعى من قصور ما دل على جواز الاكتفاء بأذان الغير عن شموله لوروده في أذان الرجل أو انصرافه إليه ولذا تردد فيه غير واحد ممن لا يرى الاسرار شرطا في أذانها ولكن أجاب عنه في الحدائق بان ما دل على الاعتداد بسماع الأذان وان كان ظاهره كون المؤذن رجلا الا انه لم يعلم هنا خصوصية للرجل في ذلك فيتعدى الحكم بطريق المناط القطعي إلى كل مؤذن من رجل أو امرأة كما في سائر جزئيات الاحكام وان صرح بالرجل فإنهم لا يختلفون في تعدية الحكم إلى النساء ما لم تعلم الخصوصية ولا يخفى على المتتبع ان أكثر الأحكام الشرعية المتفق على عمومها للرجال والنساء انما وردت في الرجال لكونه هو المسؤول عنه أو ان يقع ذلك ابتداء من الإمام عليه السلام ولو خصت الاحكام بموارد الاخبار وان لم تعلم الخصوصية لضاقت الشريعة ولزم القول بجملة من الاحكام بغير دليل انتهى أقول ادعاء القطع بالمناط عهدته على مدعيه والانصاف انه لا يخلو عن اشكال وكيف لا وهو مبني على القطع بصحة أذان المرأة جهرا لدى الأجانب وعدم اشتراطه بالاسرار وكونه كذلك في الواقع غير معلوم وانما قلنا به بعد البناء على أن صوتها ليس بعورة تعويلا على ما يقتضيه الأصول والقواعد الظاهرية وهي غير موجبة للقطع بالواقع فتأمل ويمكن الاستدلال له باطلاق بعض الأخبار الآتية في محلها كرواية عمر بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال قوموا فقمنا وصلينا معه بغير أذان ولا إقامة وقال يجزيكم أذان جاركم إذ المراد به بحسب الظاهر بيان نوع الحكم لا في خصوص المورد والمتبادر من الجار إرادة الجنس الشامل للرجل والامرأة ودعوى انصرافه إلى الأول حيث إن الغالب كون من أذن واقام جهرا بحيث سمعه الجار رجلا قابلة للمنع وعلى تقدير التسليم فهو بدوي منشأه ندرة الوجود وهي غير موجبة لصرف الاطلاق فليتأمل ويتأكد ان اي الأذان والإقامة استحبابا فيما يجهر فيه من الفرائض على ما صرح به المصنف وغيره بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه ولعله كاف في اثباته بعد البناء على المسامحة والا فلم نقف في النصوص على ما يشهد له في الإقامة بل ولا في أذان العشاء واما الغداة والمغرب فقد شهد بتأكد مطلوبية الأذان فيهما كالإقامة في سائر الفرائض جملة من الاخبار ولذا لا ينبغي الارتياب في أن أشدها اي أشد الفرائض الجهرية وغيرها الغداة والمغرب بل قد عرفت فيما سبق ان ظاهر بعض اخبارهما الوجوب المحمول على تأكد الاستحباب ولا يؤذن ولا يقام لشئ من النوافل ولا لشئ من الفرائض عدى الخمس بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المعتبر انه مذهب علماء الاسلام إذ لم يثبت شرعيتهما في سائر الصلوات ما عدى الفرائض الخمس فيكون فعلهما لشئ منه تشريعا ويدل عليه أيضا في الجملة الخبر الآتي بل يقول المؤذن عوض الأذان المعهود فيما يراد فيه الاجتماع من الصلوات ولو نافلة كصلاة الاستسقاء الصلاة ثلثا لخبر إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة قال ليس فيهما أذان ولا إقامة ولكنه ينادي الصلاة ثلاث مرات ولكن النص كما تراه مخصوص بالعيدين فالحاق غيرهما بهما كما هو ظاهر المتن وغيره لعله لتنقيح المناط والأحوط الاتيان بها لا يقصد التوظيف بل بقصد التنبيه و الاعلام المعلوم رجحانه شرعا أو من باب الاحتياط والله العالم ثم انا قد أشرنا فيما سبق إلى أنه لا فرق في مشروعية الأذان والإقامة للفرائض اليومية بين كونها أداء
(٢٠٦)