ان أول الوقت وقت للخروج عن عهدة خصوص الظهر وان الوقت المشترك الذي يجوز للمكلف الخروج عن عهدة كل من الصلاتين انما يدخل بعد مضي مقدار يتمكن فيه من أداء الظهر حيث إن له تأخير الظهر إلى ذلك الوقت واتيانها فيه وله تقديمها عليه وايقاع العصر فيه فلا معارضة بين الروايات فان المراد برواية داود على الظاهر ليس الا الوقت بهذا المعنى وتخصيص مقدار أربع ركعات بالذكر مع أن المدار على مضي مقدار يتمكن فيه من أداء الظهر بحسب ما يقتضيه تكليفه للجري مجرى العادة فالذي يقوى في النظر صلاحية الوقت من حيث هو من أوله لفعل العصر وكون الترتيب بين الصلاتين مانعا عن الفعلية فالأظهر عدم وجوب اعادتها لو وقعت في أول الوقت على وجه حكم فيه بسقوط شرطية الترتيب كما أن المتجه جواز الشروع فيها قبل مضي مقدار أداء الظهر لو حصلت براءة الذمة عن الظهر قبلها كما لو اتى بها قبل الوقت فدخل الوقت في الأثناء أو اتى بها بزعم دخول الوقت ثم شك بعد الفراغ في دخول الوقت وعدمه كما تقدم التنبيه على هذه الثمرات في صدر المبحث وقد اعترف المصنف رحمه الله في عبارته المتقدمة بجواز الشروع في العصر فيما لو صلى الظهر عند ظن الزوال فدخل الوقت قبل اكمالها بلحظة وجعل خصوص هذه اللحظة في هذه الصورة هو الوقت المختص بها ولكنك خبير بان هذا مما لا يمكن استفادته من الأدلة اللهم الا ان يلتزم بما قويناه من صلاحية الوقت في حد ذاته للفعل وكون اشتغال الذمة بالظهر مانعا عن التكليف بالعصر فالمتجه بناء على عدم صلاحية أول الوقت للعصر مطلقا كما هو ظاهر المشهور وجوب الصبر عليه في كلا الفرضين (إلى أن يعلم بدخول وقتها وقد صرح بعض بوجوب الصبر عليه) أيضا فيما لو اتى بالظهر في أول الوقت ونسي بعض اجزائها التي لا تدارك لها كالقراءة ونحوها وجعل ثمرة للنزاع ثم إن مقتضى ظاهر رواية داود عدم دخول وقت العصر الا بعد مضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات من غير فرق بين كون فرضه القصر أو التمام لكن لابد من جمل هذه الرواية على إرادة مقدار أداء الظهر بحسب ما يقتضيه تكليفه وكون تخصيص مقدار أربع ركعات بالذكر للجري مجرى الغالب جمعا بينهما وبين الأخبار المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام الا ان هذه قبل هذه الدالة على جواز الاتيان بالعصر بعد أداء الظهر مطلقا فتلخص من جميع ما ذكر ان أول الوقت إلى أن يمضي مقدار أداء الظهر وقت بالفعل لخصوص صلاة الظهر ولكنه صالح شانا للعصر بحيث لو فرض عدم كون شخص مكلفا بالظهر أو كونه خارجا عن عهدتها قبل الوقت جاز له الاتيان بها من أول الزوال على الأظهر وكذلك الكلام بالنسبة إلى اخر الوقت فإنه بمقدار أداء العصر قبل ان تغيب الشمس مختص بصلاة العصر فأن قوله عليه السلام في الأخبار المتقدمة الا ان هذه قبل هذه كما يدل بالالتزام العقلي على امتناع تعلق الامر بفعل العصر في أول الوقت مع كونه مكلفا بايقاع الظهر قبلها كذلك يدل على امتناع تعلق التكليف بفعل الظهر في اخر الوقت مع كونه مكلفا بايقاع العصر بعدها فلو تعلق امر مطلق مثلا بصلاة الظهر من الزوال إلى الغروب على سبيل التوسعة ثم ورد امر اخر بايقاع العصر بعدها كذلك وجب تقييد كل من الامرين بالاخر وجعلهما بمنزلة امر واحد متعلق بكلا الفعلين على الترتيب فيتضيق وقتهما إذا لم يبق من الوقت الا مقدار أدائهما فلو اخرهما عن هذا الوقت فقد عصى فلو تركهما حتى لم يبق من الوقت الا مقدار أداء احدى الصلاتين فقد فاتت الظهر إذ لا يعقل بقاء الامر بها مع كونه مأمورا بايقاع العصر بعدها قبل ان تغيب الشمس واما العصر فوقتها الذي كان مأمورا بايقاعها فيه باق فلم يتحقق عصيانها بعد والترتيب بين الصلاتين غير معتبر عند استلزام رعايته فوت الحاضرة ويشهد لما ذكر مضافا إلى ما ذكر ما رواه الحلبي فيمن نسي الظهر والعصر ثم ذكر عند غروب الشمس قال عليه السلام ان كان في وقت لا يخاف فوت إحديهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر وان هو خاف ان يفوته فيبتدء بالعصر ولا يؤخره فيكون قد فاتتاه جميعا ورواية داود بن فرقد المتقدمة ويمكن الاستدلال بما استدل به العلامة في العبارة المتقدمة عن المختلف لاثبات اختصاص أول الوقت بالظهر فإنه انما يتجه الاستدلال به لاثبات اختصاص اخر الوقت بالعصر بتقريب ان يقال إنه على تقدير تركه للصلاتين إلى أن لم يبق من الوقت الا مقدار أداء إحديهما فهو اما ان يكون مأمورا بايقاعها معا في ذلك الوقت وبواحدة لا بعينها أو معينة اما الأول فتكليف ما لا يطاق والثاني فهو مخالف للاجماع والثالث فان كانت المعينة هي العصر ثبت المطلوب وان كانت الظهر فمخالف للاجماع ويؤيده أيضا ما يستفاد من الاخبار من أن تعميم الشارع لأوقات الصلاة انما هو من باب التوسعة والا فهي بالذات كانت خمسة فمقتضي الاعتبار كون صاحبة الوقت أولى بالرعاية في مقام المزاحمة فتكون هي المكلف بها بالفعل كما هو الشان في كل واجبين متزاحمين أحدهما أهم من الاخر لكن لو صح الاستدلال بهذا الوجه الاعتباري وكان الدليل منحصرا فيه لكان مقتضاه صحة الشريكة أيضا وان عصى بترك صاحبة الوقت كما هو الشان في الواجبين المتزاحمين ثم لا يخفى عليك انه لا يثبت بهذه الأدلة المشترك على وجه صحيح بان صلى مثلا الظهر والعصر جميعا ثم انكشف في اخر الوقت وقوع خلل في الأولى دون الثانية فلا فالأظهر امتداد وقتها من حيث هو إلى أن تغيب الشمس وان لم يكن عند تنجز التكليف بالعصر وقتا فعليا لها فلا يجوز تأخيرها في الفرض وان كان الأحوط ان ينوي بفعلها امتثال امرها الواقعي من غير تعرض لكونها أداء أو قضاء كما أن الأحوط الاتيان بها في خارج الوقت أيضا مترتبة على ما عليه من الفوائت لو كان عليه فوائت والله العالم فتلخص مما أسلفناه ان ما بين الزوال إلى الغروب وقت لكل من الصلاتين شانا واما الوقت الفعلي الذي يكون المكلف مأمورا بايقاعهما فيه على سبيل التحقيق لا على سبيل الفرض والتقدير ففيه التفصيل المتقدم وكذا الكلام في وقت العشائين فإنه إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب والعشاء ولكن يختص المغرب عن أوله بمقدار ثلاث ركعات ثم تشاركها العشاء حتى ينتصف الليل ويختص العشاء من اخر الوقت
(٢٢)