من سنة تسع عشرة وأقام في وزارته شهرين وكان ببغداد رجل من المخرفين يسمى الدانيالي وكان وراقا ذكيا محتالا يكتب الخطوط في الورق ويداويها حتى تتم بالبلى وقد أودعها ذكر من يراه من أهل الدولة برموز وإشارات ويقسم له فيها من حظوظ الملك والجاه والتمكين قسمة من عالم الغيب يوهم أنها من الحدثان القديم المأثور عن دانيال وغيره وأنها من الملاحم المتوارثة عن آبائه ففعل مثل ذلك بمفلح وكتب له في الأوراق م م م بأن يكون له كذا وكذا وسأله مفلح عن الميم فقال هو كناية عنك لأنك مفلح مولى المقتدر وناسب بينه وبين علامات مذكورة في تلك الأوراق حتى طبقها عليه فشغف به مؤنس وأغناه وكان يداخل الحسين بن القاسم بن عبد الله ابن وهب فرمز اسمه في كتاب وذكر بعض علاماته المنطبقة عليه وذكر أنه يستوزره الخليفة الثامن عشر من بنى العباس وتستقيم الأمور على يديه ويقهر الأعادي وتعمر الدنيا في أيامه وخلط ذلك في الكتاب بحدثان كثير وقع بعضه ولم يقع الآخر وقرأ الكتاب على مفلح فأعجبه وجاء بالكتاب إلى المقتدر فأعجب به الآخر وقال لمفلح من تعلم بهذه القصة فقال لا أراه الا الحسين بن القاسم قال صدقت وانى لأميل إليه وقد كان المقتدر أراد ولايته قبل ابن مقلة وقبل الكلواذي فامتنع مؤنس ثم قال المقتدر لمفلح ان جاءتك رقعة منه بالسعي في الوزارة فأعرضها على ثم سأل مفلح الدانيالي من أين لك الكتاب قال وراثة من آبائي وهو من ملاحم دانيال فأنهى ذلك إلى المقتدر واغتبطوا بالحسين وبلغ الخبر إليه فكتب إلى مفلح بالسعي في الوزارة فعرض كتابه على المقتدر فأمره باصلاح مؤنس واتفق أن الكلواذي عمل حسابا بما يحتاج إليه من النفقات الزائدة على الحاصل فكانت سبعمائة ألف دينار وكتب عليه أهل الديوان خطوطهم وقال ليس لهذه جهة الا ما يطلقه أمير المؤمنين فعظم ذلك على المقتدر وأمر الحسين بن القاسم أن يضمن جميع النفقات وزيادة ألف ألف دينار لبيت المال وعرض كتابه على الكلواذي فاستقال وأذن للكلواذي لشهرين من وزارته وولى الحسين بن القاسم واشترط أن لا يشاركه علي بن عيسى في شئ من أموره واخراجه الصافية واختص به الحسين بن اليزيدي وابن الفرات ولما ولى واطلع على نقصان الارتياع وكثرة الانفاق وضاق عليه الامر فتعجل الجباية المستقبلة وصرفها في الماضية وبلغ ذلك هارون بن غريب الحال فأنهاه إلى المقتدر فرتب معه الخصى واطلع على حسابه فألقى له حسبة ليس فيها رمزه فأظهر ذلك للمقتدر وجميع الكتاب واطلعوا عليها وقابلوا الوزير بتصديق الخصى فيما قاله وقبض على الحسين بن القاسم في شهر ربيع من سنة عشرين لسبعة أشهر من ولايته واستوزر أبا الفتح الفضل بن جعفر وسلم إليه
(٣٧٦)