بعدها طلب ملك الروم الصلح على أن يؤدى الجزية وغزا بالصائفة يزيد بن أسيد السلمي وغزا بها سنة ست وخمسين وغزا بالصائفة معيوب بن يحيى من درب الحرثي ولقى العدو فاقتتلوا ثم تحاجزوا * (وفاة المنصور وبيعة المهدى) * وفى سنة ثمان وخمسين توفى المنصور منصرفا من الحج ببئر ميمون لست خلت من ذي الحجة وكان قد أوصى المهدى عند وداعه فقال لم أدع شيئا الا تقدمت إليك فيه وسأوصيك بخصال وما أظنك تفعل واحدة منها وله سفط فيه دفاتر علمه وعليه قفل لا يفتحه غيره فقال للمهدى انظر إلى هذا السفط فاحتفظ به فان فيه علم آبائك ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فان أحزنك أمر فانظر في الدفتر الكبير فان أصبت فيه ما تريد والا ففي الثاني والثالث حتى تبلغ سبعة فان ثقل عليك فالكراسة الصغيرة فإنك واجد ما تريد فيها وما أظنك تفعل فانظر هذه المدينة وإياك أن تستبدل بها غيرها وقد جمعت فيها من الأموال ما أنكر عليك الخراج عشر سنين كفاك لأرزاق الجند والنفقات والذرية ومصلحة البيوت فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزا ما دام بيت مالك عامرا وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل بيتك وأن تظهر كرامتهم وتحسن إليهم وتقدمهم وتوطئ الناس أعقابهم وتوليهم المنابر فان عزك عزهم وذكرهم لك وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل خراسان خيرا فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودماءهم في دولتك وأن لا تخرج محبتك من قلوبهم وأن تحسن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافئهم عما كان منهم وتخلف من مات منهم في أهله وولده وما أظنك تفعل وإياك أن تبنى مدينة الشرقية فإنك لا تتم بناءها وأظنك ستفعل وإياك أن تستعين برجل من بنى سليم وأظنك ستفعل وإياك أن تدخل النساء في أمرك وأظنك ستفعل وقيل قال له انى ولدت في ذي الحجة ووليت في ذي الحجة وقد يحس في نفسي أن أموت في ذي الحجة في هذه السنة وانما حد لي الحج على ذلك فاتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي يجعل لك فيما كربك وحزنك فرجا ومخرجا ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب يا بنى احفظ محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته يحفظك الله ويحفظ عليك أمورك وإياك والدم الحرام فإنه حوب عند الله عظيم وعار في الدنيا لازم مقيم والزم الحدود فان فيها صلاحك في الآجل وصلاحك في العاجل ولا تعتد فيها فتبور فان الله تعالى لو علم أن شيئا أصلح منها لدينه وأزجر عنى معاصيه لامر به في كتابه واعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فسادا مع ما ادخر له من العذاب الأليم فقال انما جزاء الذين يحاربون الله
(٢٠٤)