ثم قال ابنوا على بركة الله فلما بلغ مقدار قامة جاء الخبر بظهور محمد المهدى فقطع البناء وسار إلى الكوفة حتى فرغ من حرب محمد وأخيه ورجع من مدينة ابن هبيرة إلى بغداد واستمر في بنائها واستشار خالد بن برمك في نقض المدائن والإيوان فقال لا أرى ذلك لأنه من آثار الاسلام وفتوح العرب وفيه مصلى علي بن أبي طالب فاتهمه بمحبة العجم وأمر بنقض القصر الأبيض فإذا الذي ينفق في نقضه أكثر من ثمن الجديد فأقصر عنه فقال خالد لا أرى اقصارك عنه لئلا يقال عجزوا عن هدم ما بناه غيرهم فأعرض عنه ونقل الأبواب إلى بغداد من واسط ومن الشأم ومن الكوفة وجعل المدينة مدورة وجعل قصره وسطها ليكون الناس منه على حد سواء وجعل المسجد الجامع بجانب القصر وعمل لها سورين والداخل أعلى من الخارج ووضع الحجاج بن أرطأة قبلة المسجد وكان وزن اللبنة التي يبنى بها مائة رطل وسبعة عشر رطلا وطولها ذراع في ذراع وكانت بيوت جماعة من الكتاب والقواد تشرع أبوابها إلى رحبة الجامع وكانت الأسواق داخل المدينة فأخرجهم إلى ناحية الكرخ لما كان الغرباء يطرقونها ويبيتون فيها وجعل الطرق أربعين ذراعا وكان مقدار النفقة عليها في المسجد والقصر والأسواق والفضلان والخنادق والأبواب أربعة آلاف ألف وثمانمائة ألف وثلاثة وثلاثين ألف درهم وكان الأستاذ من البنايين يعمل يومه بقيراط والروز كارى بحبتين وحاسب القواد عند الفراغ منها فألزم كلا بما بقي عنده وأخذه حتى أخذ من خالد بن الصلت منهم خمسة عشر درهما بعد أن حبسه عليها * (العهد للمهدى وخلع عيسى بن موسى) * كان السفاح قد عهد إلى عيسى بن موسى بن علي وولاه على الكوفة فلم يزل عليها فلما كبر المهدى أراه المنصور أبوه أن يقدمه في العهد على عيسى وكان يكرمه في جلوسه فيجلس عن يمينه والمهدى عن يساره فكلمه في التأخر عن المهدى في العهد فقال يا أمير المؤمنين كيف بالايمان التي على وعلى المسلمين وأبى من ذلك فتغير له المنصور وباعده بعض الشئ وصار يأذن للمهدى قبله ولعمه عيسى بن علي وعبد الصمد ثم يدخل عيسى فيجلس تحت المهدى واستمر المنصور على التنكر له وعزله عن الكوفة لثلاث عشرة سنة من ولايته وولى مكانه محمد بن سليمان بن علي ثم راجع عيسى نفسه فبايع المنصور للمهدى بالعهد وجعل عيسى من بعده ويقال انه أعطاه أحد عشر ألف ألف درهم ووضع الجند في الطرقات لأذاه واشهاد خالد بن برمك عليه جماعة من الشيعة بالخلع تركت جميعها لأنها لا تليق بالمنصور وعدالته المقطوع بها فلا يصح من تلك الأخبار شئ
(١٩٧)