ابن علي وجاء من وراء إبراهيم وأصحابه فانعطفوا لقتالهم واتبعهم أصحاب عيسى ورجع المنهزمون من أصحابه بأجمعهم اعترضهم امامهم فلا يطيقون مخافة ولا وثوبة فانهزم أصحاب إبراهيم وثبت هو في ستمائة أو أربعمائة من أصحابه وحميد يقاتله ثم أصابه سهم بنحره فأنزلوه واجتمعوا عليه وقال حميد شدوا على تلك الجماعة فاحصروهم عن إبراهيم وقطعوا رأسه وجاؤا به إلى عيسى فسجد وبعثه إلى المنصور وذلك لخمس بقين من ذي القعدة الحرام سنة خمس وأربعين ولما وضع رأسه بين يدي المنصور بكى وقال والله انى كنت لهذا كارها ولكني ابتليت بك وابتليت بي ثم جلس للعامة فأذن للناس فدخلوا ومنهم من يثلب إبراهيم مرضاة للمنصور حتى دخل جعفر بن حنظلة النهراني فسلم ثم قال عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك وغفر له ما فرط فيه من حقك فتهلل وجه المنصور وأقبل عليه وكناه بابي خالد واستدناه * (بناء مدينة بغداد) * وابتدأ المنصور سنة ست وأربعين في بناء مدينة بغداد وسبب ذلك ثورة الراوندية عليه بالهاشمية ولأنه كان يكره أهل الكوفة ولا يأمن على نفسه منهم فتجافى عن جوارهم وسار إلى مكان بغداد اليوم وجمع من كان هنالك من البطارقة فسألهم عن أحوال مواضعهم في الحر والبرد والمطر والوحل والهوام واستشارهم فأشاروا عليه بمكانها وقالوا تجيئك الميرة في السفن من الشأم والرقة ومصر والمغرب إلى المصرات ومن الصين والهند والبصرة وواسط وديار بكر والروم والموصل في دجلة ومن أرمينية وما اتصل بها في تامرا حتى يتصل بالزاب وأنت بين أنها وكالخنادق لا تعبر الا على القناطر والجسور وإذا قطعتها لم يكن لعدوك مطمع وأنت متوسط بين البصرة والكوفة وواسط والموصل قريب من البر والبحر والجبل فشرع المنصور في عمارتها وكتب إلى الشأم والجبل (1) والكوفة وواسط والبصرة في الصناع والفعلة واختار من ذوي الفضل والعدالة والعفة والأمانة والمعرفة بالهندسة فأحضرهم لذلك منهم الحجاج بن أرطأة وأبو حنيفة الفقيه وأمر بخطها بالرماد فشكلت أبوابها وفضلانها وطاقاتها ونواحيها وجعل على الرماد حب القطن فاضرم نارا ثم نظر إليها وهي تشتعل فعرف رسمها وأمر أن تحفر الأسس على ذلك الرسم ووكل بها أربعة من القواد يتولى كل واحد منهم ناحية ووكل أبا حنيفة بعد الآجر واللبن وكان أراده على القضاء والمظالم فأبى فحلف أن لا يقلع عنه حتى يعمل له عملا فكان هذا وأمر المنصور أن يكون عرض أساس القصر من أسفله خمسين ذراعا ومن أعلاه عشرين وجعل في البناء القصب والخشب ووضع بيده أول لبنة وقال بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين
(١٩٦)