أيام الفتنة إلى آخر المائة الثالثة ثم أعقبتها دولة أخرى لمواليهم بنى طفج إلى الستين والثلثمائة وفي خلال هذا كله تضايق نطاق الدولة العباسية إلى نواحي السواد والجزيرة فقط الا أنهم قائمون ببغداد على أمرهم ثم كانت للديلم دولة أخرى استولوا فيها على النواحي وملكوا الاعمال ثم ساروا إلى بغداد وملكوها وصيروا الخليفة في ملكتهم من لدن المستكفى أعوام الثلاثين والثلثمائة وكانت من أعظم الدول ثم أخذها من أيديهم السلجوقية من الغز احدى شعوب الترك فلم تزل دولتهم من لدن القائم سنة أربعين وأربعمائة إلى آخر المائة السادسة وكانت دولتهم من أعظم الدول في العالم وتشعبت عنها دول هي متصلة إلى عهدنا حسبما يذكر ذلك كله في مكانه ثم استبد الخلفاء من بنى العباس آخرا في هذا النطاق الضيق ما بين دجلة والفرات وأعمال السواد وبعض أعمال فارس إلى أن خرج التتار من مفازة الصين وزحفوا إلى الدولة السلجوقية وهم على دين المجوسية وزحفوا إلى بغداد فقتلوا الخليفة المعتصم وانقرض أمر الخلافة وذلك سنة ست وخمسين وستمائة ثم أسلموا بعد ذلك وكانت لهم دولة عظيمة وتشعبت عنها دول لهم ولأشياعهم في النواحي وهي باقية لهذا العهد آخذة في الثلاثين كما نذكر ذلك كله في أماكنه * (دولة المنتصر) * ولما بويع المنتصر كما ذكرناه ولى على المظالم أبا عمرو أحمد بن سعيد وعلى دمشق عيسى ابن محمد النوشزي وكان على وزارته أحمد بن الخصيب واستقامت أموره وتفاوض وصيف وبغا وأحمد بن الخصيب في شأن المعتز والمؤيد لما توقعوا من سطوتهما بسبب قتل المتوكل فحملوا المنتصر على خلعهما لأربعين يوما من خلافته وبعث إليهما بذلك فأجاب المؤيد وامتنع المعتز فأغلظوا عليه وأوهموه القتل فخلا به المؤيد وتلطف به حتى أجاب وخلع نفسه وكتبا ذلك بخطهما ثم دخلا على المنتصر فأجلسهما واعتذر لهما بسمع من الأمراء بأنهم الذين حملوه على خلعهما فأجبتهم إلى ذلك خشية عليكما منهم فقبلا يده وشكرا له وشهد عليهما القضاة وبنو هاشم والقواد ووجوه الناس وكتب بذلك المنتصر إلى الآفاق والى محمد بن طاهر ببغداد ثم إن أحمد بن الخصيب أخا المنتصر أمر باخراج وصيف للصائفة وابعاده عن الدولة لما بينهما من الشحناء فأحضره المنتصر وقال له قد أتانا من طاغية الروم أنه أفسد الثغر فلا بد من مسيرك أو مسيري فقال بل أنا أشخص يا أمير المؤمنين فأمر أحمد بن الخصيب أن يجهزه ويزيح علل العسكر معه وأمره أن يوافي ثغر ملطية فسار وعلى مقدمته مزاحم بن خاقان أخو الفتح وعلى نفقات العساكر والمغانم والمقاسم أبو الوليد القر والى أن يأتيه رأيه
(٢٨٢)