وفاته كتب بخطه إلى الوزير توقيعا يقرؤه على أهل الدولة فجاء الرسول به وقال أمير المؤمنين يقول ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم وأنفذ مثال ثم لا يتبين له أثر بل أنتم إلى امام فعال أحوج منكم إلى امام قوال ثم تنالوا الكتاب وقرؤوه فإذا فيه بعد البسملة انه ليس امهالنا اهمالا ولا اغضاؤنا اغفالا ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملا وقد غفرنا لكم ما سلف من اخراب البلاد وتشريد الرعايا وتقبيح السنة واظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي حيلة ومكيدة وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكا للأغراض انتهزتم فرصتها مختلفة من براتن ليث باسل وأنياب أسد مهيب تنطقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلون رأيه إلى هواكم ما طلبتم بحقه فيطيعكم وأنتم له عاصون ويوافقكم وأنتم له مخالفون والآن فقد بدل الله سبحانه بخوفكم أمنا وفقركم غنى وباطلكم حقا ورزقكم سلطانا يقيل العثرة ولا يؤاخذ الامن أصر ولا ينتقم الا ممن استمر يأمركم بالعدل وهو يريده منكم وينهاكم عن الجور وهو يكرهه يخاف الله فيخوفكم مكره ويرجوا لله تعالى ويرغبكم في طاعته فان سلكتم مسالك نواب خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه والا هلكتم والسلام ولما توفى بويع ابنه أبو جعفر المستنصر وسلك مسالك أبيه إلا أنه وجد الدولة اختلفت والاعمال قد انتقضت والجباية قد انتقصت أو عدمت فضاقت عن أرزاق الجند وأعطياتهم فأسقط كثيرا من الجند واختلفت الأحوال وهو الذي أعاد له محمد بن يوسف بن هود دعوة العباسية بالأندلس آخر دولة الموحدين بالمغرب فولاه عليها وذلك سنة تسع وعشرين وستمائة كما يذكر في أخبارهم ولآخر دولته ملك التتر بلاد الروم من يد غياث الدين كنجسرو آخر ملوك بنى قليج أرسلان ثم تخطوها إلى بلاد أرمينية فملكوها ثم استأمن إليهم غياث الدين فولوه من قبلهم وفى طاعتهم كما يذكر في أخبارهم ان شاء الله تعالى انتهى * (وفاة المستنصر وخلافة المستعصم آخر بنى العباس ببغداد) * لم يزل هذا الخليفة المستنصر ببغداد في النطاق الذي بقي لهم بعد استبداد أهل النواحي كما قدمنا ثم انحل أمرهم من هذا النطاق عروة وتملك التتر سائر البلاد وتغلبوا على ملوك النواحي ودولهم أجمعين ثم زاحموهم في هذا النطاق وملكوا أكثره ثم توفى المستنصر سنة احدى وأربعين لست عشرة سنة من خلافته وبويع بالخلافة ابنه عبد الله ولقب المستعصم وكان فقيها محدثا وكان وزيره ابن العلقمي رافضيا وكانت الفتنة ببغداد لا تزال متصلة بين الشيعة وأهل السنة وبين الحنابلة وسائر أهل المذاهب وبين العيارين والدعار والمفسدين مبدأ الأمراء الأول فلا تتجدد فتنة
(٥٣٦)