بسواطع، وأضحى ما قبل النور في السواد من القواطع، بالغ في تجريدها عن مضاهاتها الأشباه والأمثال، فاخلى عذار حروفها عن نقطة الخال، بتخييل أنها من غاية الحسن والجمال كالخال على عذار مصحف كلام الملك المتعال، بل هي عرائس أبكار لن تمسها يد قط، فلم تلد أمهات حروفها سلالات النقط، أو بنات أفكار صفت خدودها عن وشى النقط، تأنفا عن التجلي بالمستعار والملتقط، أو ظنت النقط أعداما وأصفارا، فتأنقت عنها ترفعا واستصغارا، لا بل هي سراج وهاج، لا يظهر ما يتطاير من شراره، ولا يرى من غاية اللطافة دخان ناره، أو بحر مواج لا يتقر حبابه ولا يتميز فيه ما أفاض من الطل ضبابه، بل هي ملك مقرب جمد عينه رهبة من إنذار كلام الله العلام، فلم تسكب قطرات دموعه على صفحات الاعلان والاعلام، أو فلك محدد لجهات معاني خير الكلام، فصار كاسمه غير مكوكب بالنقط والاعجام، ويمكن أن يصار إلى أنه جعل نجوم نقاطه رجوما لشياطين الإنس، الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله من هذا الجنس، أو يقال لما فاز كل جملة من كلمات هذه المجلة المجلية بشرف جوار كلمة بل كلمتين من كلام الله العلي الجبار وركض في مضمار الفخار كالخيل المعار، أقنى نقود نقاطه برسم النثار، لا بل شابهت نقاط حروفه بالدر والدراري وما يلفظه البحر من الغيري، تحصنت من خوف بذله لها على أدنى مستمع أو قاري بسنام كلام الملك الباري، وحلت فيه حلول السريان أو الجواري، ولعل في ذلك تأكيد لما أشار إليه من تسمية الكتاب بسواطع الالهام، فإن سواطع نور الشمس مواقع النجوم ومغاربها ومساقطها في التخوم، ومن اللطائف أنه تعالى عبر عن القرآن أيضا بمواقع النجوم، وإن كان بمعنى آخر لا يخفى على أولي الفهوم، لهذا وقد قرنت بما قدرت وذيلت الظلمة
(حياة القاضي الشهيد ١٠٤)