الأخيرة ومتى أراد تشخيصها للعشائين أو لصلاة الليل فبالثانية وحيث إن الجدي كوكب محسوس ووضعه محاذيا لخلف المنكب الذي فيه مظنة الأقربية إلى مقابلة العين امر ميسور فلا ينبغي العدول عنه فلذا اعتبروا فيه كونه كذلك لا انه لا يجري الا ذلك واما العلامتان الاخريان فتشخيص موضوعهما لدى الحاجة اليهما لا يكون غالبا الا على سبيل الحدس والتقريب فلا يتميز بهما غالبا الا مطلق الجهة التي لا يعتبر لغير المتمكن من مشاهدة العين حقيقة أو حكما الا مقابلتها فلم يعتبروا فيها هذا النحو من التدقيقات كبعض العلائم الاخر التي سنشير إليها وبما ذكرنا ظهر ان ما ذكره بعض من جمل المشرق والمغرب في كلماتهم على الاعتداليين لا يخلو من نظر لما أشرنا إليه من أن غرضهم بحسب الظاهر لم يتعلق بذكر هذه العلائم الا لاستعمالها في موارد الحاجة في البراري والصحارى ونحوها من الموارد التي يتعذر فيها غالبا تشخيص الاعتداليين وكيف كان فالأقوى انه لا يعتبر للبعيد الغير المتمكن من العلم باستقبال العين أزيد من تشخيص القبلة بمثل هذه العلائم المورثة للعلم بجهتها بالمعنى الذي عرفته فيما سبق وقد ذكر غير واحد لأهل العراق أيضا علائم اخر كجعل القمر على الحاجب الأيمن ليلة السابع عند الغروب واحدى وعشرين عند الفجر وسهيل عند طلوعه مقابل المنكب الأيسر وذكروا الأهالي ساير الأقاليم علائم اخر مستخرجة من هذه العلائم بعد ملاحظة أوضاع بلادهم ومن غيرها من القواعد المبتنية على علم الهيئة من أرادها فليطلب من أهل خبرته ولم يصل الينا نص في هذا الباب لتشخيص قبلة شئ من البلدان عدى بعض الأخبار الواردة في الجدي كموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن القبلة قال ضع الجدي في قفاك وصل ومرسلة الصدوق قال قال رجل للصادق عليه السلام اني أكون في السفر ولا اهتدي إلى القبلة بالليل فقال أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي قلت نعم قال اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك وخبر إسماعيل بن زياد المروي عن تفسير العياشي عن جعفر بن محمد عن ابائه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وبالنجم هم يهتدون قال هو الجدي لأنه لا يزول وعليه بناء القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر وعنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى وعلامات وبالنجم هم يهتدون وقال ظاهر وباطن الجدي عليه بنى القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر لأنه نجم لا يزول نعم في صحيحتي زرارة ومعاوية بن عمار المتقدمتين في صدر المبحث تحديد القبلة بما بين المشرق والمغرب ولكنك عرفت انه لابد من ارتكاب التأويل فيهمنا بالحمل على ما إذا لم يمكن تشخيصها في سمت أقرب من ذلك واما الأخبار الواردة في الجدي فما عدى الأولين منها مسوق في مقام الارشاد والتنبيه على أن الجدي كوكب لا يزول اي ثابت في موضعه الخاص ولا يتغير مكانه تغيرا فاحشا فيه يهتدي كل من يقصد التوجه إلى سمت في بر أو بحر وهذا لا يجدي فيما نحن بصدده واما الخبران الأولان فهما وان كانا مسوقين لبيان علامة القبلة وكيفية الاهتداء إليها بالجدي لكنهما أيضا لا يخلوان من اجمال ضرورة ان وضع الجدي في القفار أو على اليمين ليس علامة لمعرفة القبلة على الاطلاق فالروايتان واردتان بحسب ما يقتضيه حال السائل فلا يصح الاستشهاد بهما ما لم يحرز الموضع الذي هو محط نظر السائل نعم يستكشف من اطلاق الامر بالاعتماد على علامة واحدة في جواب من قال إني رجل مسافر ابتناء الامر على التوسعة وربما ينزل موثقة محمد بن مسلم على إرادة قبلة العراق بقرينة كون السائل اي محمد بن مسلم كوفيا فعلى هذا تنطبق هذه الرواية على سائر العلامات التي ذكروها لأهل العراق مما كان مقتضاها استقبال نقطة الجنوب ان كان المراد بوضعه في القفا جعله بين الكتفين دون ما ذكروه في الجدي من وضعه خلف المنكب الأيمن وان كان المراد به الاطلاق بحيث عم مثل ذلك لكان مقتضاه جواز جعله خلف المنكب الأيسر أيضا فيقتضي كون جهة القبلة في غاية السعة بحيث يقرب من ربع الدائرة ولا يظن بأحد الالتزام به عدى من زعم أن ما بين المشرق والمغرب قبلة مطلقا وقد عرفت ضعفه فالأولى اما الحكم باجمال الرواية أو حملها على إرادة ما بين الكتفين كما لعله المتبادر منه فتنطبق على سائر العلائم واما ما ذكروه في الجدي من وضعه خلف المنكب الأيمن فلعله مبني على ما يقتضيه قواعد الهيئة بالنسبة إلى بعض نواحي العراق فاطلقوا القول بذلك في العراق كله نظرا إلى كفايته في احراز الجهة في جميع نواحيها واستدل بعض لذلك ببناء مسجد الكوفة الذي هو من المشاعر العظام المعلوم وجوده في عصر الأئمة عليهم السلام وصلاة أمير المؤمنين عليهم السلام فيه وهو يوافق هذه العلامة ولكن قد يشكل ذلك بعدم ثبوت كونه بهذا الوضع في السابق مع أن الظاهر كونه مبنيا يأمر خلفاء الجور ولم يثبت ان أمير المؤمنين عليه السلام صلى فيه من غير تياسر بل الظاهر أنه كان بتياسر حتى اشتهر عند شيعته استحباب التياسر كما يفصح عن ذلك بعض الأخبار الأشبه وربما جعل بعض بناء هذه المساجد على غير جهة القبلة قرينة لتوجيه الأخبار الواردة بحسب الظاهر في أهل العراق الدالة فظاهرها على أنه يستحب لهم التياسر إلى يسار المصلي منهم قليلا كخبر المفضل بن عمر قال سئلت أبا عبد الله عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه فقال إن الحجر الأسود لما انزل من الجنة ووضع في موضعه جعل انصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة فهي أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال كلها اثني عشر ميلا فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن القبلة لقلة انصاب الحرم وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة و مرفوع علي بن محمد قال قيل لأبي عبد الله عليه السلام لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار فقال لان الكعبة ستة حدود أربعة منها على يسارك واثنان على يمينك فمن اجل ذلك وقع التحريف على اليسار وعن نهاية الشيخ قال من توجه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة فعليه ان تياسر قليلا ليكون متوجها إلى الحرم بذلك جاء الأثر عنهم عليهم السلام انتهى وعن الفقه الرضوي إذا أردت توجه القبلة فتياسر مثل ما تيامن فان الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال وربما استظهر من العبارة المتقدمة عن نهاية الشيخ كخلافه والجمل والوسيلة الوجوب كما استظهر ذلك أيضا من المبسوط حيث قال ويلزم أهل العراق الخ ولكن الظاهر أن مرادهم الاستحباب كما هو صريح المتن وغيره بل لعله المشهور كما ادعاه في الجواهر نقلا وتحصيلا
(٩٣)