السمت لأجلها لامر من حيث هو وقد ظهر بما ذكر ان التمسك بقوله تعالى أينما تولوا فثم وجه الله في غاية الضعف ضرورة عدم كون مضمونه حكما اختياريا في الفرائض اليومية وسيأتي الإشارة إلى بعض الأخبار الواردة في تفسيره عند البحث عن قبلة المتحير والمتنفل إن شاء الله واضعف من ذلك التمسك بالسيرة إذ لم يعهد من أحد من المتشرعة التساهل في امر القبلة إلى هذا الحد نعم لا باس بالاستشهاد بها في رد من زعم اعتبار محاذاة العين كما ستعرفه وكيف كان فالقول باتساع الجهة إلى هذا الحد حتى مع القطع أو الظن بكون الكعبة في طرف منها في غاية الضعف وما ابعد ما بينه وبين ما قواه في الجواهر وفاقا لبعض من تقدم عليه من متأخري المتأخرين من اعتبار المحاذاة الحسية التي قد عرفت في صدر المبحث انها أعم بالنسبة إلى البعيد من المحاذاة الحقيقية على تأمل عرفت وجهه انفا للقريب والبعيد والمشاهد وغير المشاهد مطلقا ولكن حيث تعذر تحصيل العلم بذلك عادة للبعيد الغير المشاهد للعين قام الظن مقامه وعند انسداد باب الظن بالمحاذاة الحسية يجتزي بالمحاذاة الاحتمالية في السمت الذي يقطع أو يظن بكون الكعبة فيه والأقوى ما هو المشهور من وجوب استقبال عينها لدى المشاهدة حقيقة أو حكما كما في العارف بجهتها الخاصة ولو من بعيد ووجوب استقبال السمت الذي يحتمل كل جزء منه اشتماله عليها ويقطع بعدم خروجها عن جميع اجزائه لدى الجهل بجهتها الخاصة فان هذا هو المتبادر من الامر باستقبال الكعبة والتوجه إليها من البلاد النائية التي يتعذر فيها عادة تحصيل العلم بمحاذاة عينها ضرورة ان الامر باستقبال الكعبة في الصلاة ليس الا كالأمر بالتوجه إلى قبر الحسين عليه السلام من البلاد النائية في بعض الزيارات المأثورة أو إلى قبر النبي صلى الله عليه و اله في بعض الزيارات والاعمال ومن الواضح انه لا ينسبق إلى الذهن من ذلك الا إرادة الجهة التي علم اجمالا باشتمالها على القبر الشريف فمتى أحرز اجمالا ان المدينة في ناحية القبلة يتوجه إليها ويأتي بذلك العمل الذي ورد فيها الامر باستقبال قبر النبي صلى الله عليه وآله كما أنه يزور الحسين عليه السلام من بغداد متوجها إلى القبلة ومن النجف عكسه لا لكونه قاصدا بفعله مطلق الزيارة المعلوم رجحانها ولو من غير توجه صوري فإنه ربما لا يعلم بذلك أصلا وانما يقصد بفعله امتثال الامر الخاص البالغ إليه من غير أن يخطر بذهنه احتمال التشريح مع أنه لا يظن بمحاذاته للقبر الشريف فضلا عن أن يقطع بذلك وهل هذا الا لأجل انه لا يفهم من الامر الا ما ينطبق على عمله ولا يخفى عليه ان استفادة إرادة استقبال السمت المشتمل على الشئ المأمور باستقباله كقبر الحسين عليه السلام في المثال المتقدم من الامر بالتوجه إليه ليس لكونه في حد ذاته مقصودا بالتوجه بل لان التوجه إلى السمت توجه إلى ذلك الشئ بنحو من الاعتبار العرفي عند في لعلم بجهته المخصوصة فلم يقصد من الامر بالتوجه إليه الا الميل إلى جانبه فمتى كان جانبه المخصوص ممتازا لدى المكلف عن ساير الجوانب لا يكون استقباله لساير الجوانب استقبالا لجانب ذلك الشئ وما لم يميزه بالخصوص يكون استقبال الجانب الذي علم اجمالا باشتماله على ذلك الشئ لتقبالا؟
لجانبه الا ترى في المثال المتقدم انه لو شاهد القبر الشريف من البعيد أو علم بخصوص الخط المسامت له لا يفهم من ذلك الامر الا ارادته بالخصوص بخلاف ما لو لم نعلم بذلك كما عرفت ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى إذ لم يرد من امر البعيد باستقبال (الشئ الا استقبال) الطرف الواقع فيه ذلك الشئ إذ لم يعقل الامر باستقبال عينه مع بعده واستتاره عن الحسن فالمقصود ليس الا استقبال طرفه الواقع فيه كما هو المنساق من قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وطرف الشئ يصدق على الطرف المخصوص به والطر المشتمل عليه والمتبادر منه للمشاهد ونحوه الأول ولغيره مطلق سمته الذي يضاف إليه ويحتمل فيه المقابلة للعين نظير ما عرفت في مبحث التيمم من أن المتبادر من الامر بضرب الكف إرادة الضرب بالباطن للمتمكن والظاهر للعاجز بالتقريب الذي تقدم تحقيقه في محله والحاصل ان التوجه إلى شئ أو شخص من البلاد النائية ربما يتعلق به غرض عقلائي مع قطع النظر عن حكم شرعي كما قد يصدر ذلك من العقلاء في مقام الاستغاثة والندبة وغير ذلك وكيفيته لديهم ليست الا بالتوجه إلى السمت الواقع فيه ذلك الشئ نعم لو فرض علمهم بجهته الخاصة المحاذية له لا يعدلون عنها إلى مطلق سمته بل لا يعدلون عن الأقرب إلى الابعد عند تميزه فلا يتبادر من الامر بالتوجه إلى الكعبة الا هذا المعنى الذي كان يصدر منهم في مقام الاستغاثة لو كانوا يزعمون أن في ذلك المكان رجالا يسمع ندائهم ويجب دعائهم ويغشيهم متى استغشوا به وهو التوجه إلى سمته ومن هنا ادعى المحقق الأردبيلي قدس سره في عبارته المتقدمة ان المتبادر من امر السيد عبده باستقبال بلد من البلدان النائية ليس الا ما يتحقق امتثاله بمجرد التوجه إلى جهة تلك البلد لكن لا يخفى عليك ان السمت الذي ندعي انسباقه إلى الذهن من الامر بالتوجه إلى شئ هو السمت الذي يضاف إلى ذلك الشئ عرفا فيقال سمته وجانبه وطرفه لا مطلق ما بين المشرق والمغرب مثلا فإنه لا يضاف مطلق هذا السمت إلى ذلك الشئ بل يقال ذلك الشئ واقع فيه لا انه سمته فسمت الشئ عبارة عن الجانب المشتمل عليه الذي لا يعد أجنبيا عنه بنظر العرف دون ما يرونه أجنبيا عنه ولكن مع ذلك لا يبعد صدق الاستقبال والتوجه إلى الشئ عرفا عند التوجه إلى مطلق السمت الواقع فيه ذلك الشئ عند تعذر تشخيص السمت الذي يضاف إليه عرفا كما يؤيد ذلك قوله عليه السلام في الصحيحتين المتقدمتين ما بين المشرق والمغرب قبلة المحمولة صرفا أو انصرافا على صورة الجهل بجهة أخص من ذلك أو الغفلة عن رعايتها كما تقدمت الإشارة إليه ومما يؤيد المطلوب بل يبينه ان الشارع لم يقصد بقوله أينما كنت فولوا وجوهكم شطره اي شطر المسجد تكليفا يتوقف احراز موضوعه على استعمال القواعد المبينة في علم الهيئة ونحوها ضرورة عدم ابتناء امر القبلة على علم الهيئة بل ولا على العلائم المذكورة في كتب الأصحاب فان أغلبها علائم تقريبية استنبطها الأصحاب بحسب ما أدى إليه نظرهم ولم يكن يتوقف تشخيص القبلة في عصر النبي والأئمة عليهم السلام على معرفة هذه العلائم فالمقصود بهذا التكليف ليس الا التوجه إلى جانبه على الوجه الذي يتمكن كل مكلف من تشخيصه عادة من غير حرج ومشقة بالرق المعهودة