قد يتخطى عن ذلك المحتمل وفيه ان شرط صحة التكليف انما هو القدرة على نفس الفعل وهي حاصلة في الفرض إذ الواجب ليس في الواقع الا أحد المحتملات الذي هو في حد ذاته مقدور بحيث لو تمكن من تشخيصه لا يعذر في مخالفته ولا يصلح ان يكون عجزه عن تشخيص الواجب مانعا الا عن وجوب الموافقة القطعية عند تعذر الاحتياط بفعل جميع المحتملات حيث إن مقتضاه ليس الا كون المكلف معذورا في ترك الواجب على تقدير مصادفته للمحتمل الذي عجز عن الاتيان به وبهذا ظهر لك ضعف الخدشة في المقدمة الثانية بأنه متى لم يجب القطع بالموافقة لا يجب رعاية الواجب مهما أمكن بدعوى ان للإطاعة من تبيين إحديهما وجوب الموافقة القطعية (والأخرى حرمة المخالفة القطعية) فإذا تعذرت الأولى يندفع محذور المخالفة بفعل البعض اي الصلاة إلى جهة من الجهات المحتمل كونها قبلة فلا مقتضي لوجوب أزيد من ذلك وقد يقرب المناقشة ببيان اخر وهو ان الاتيان بجميع المحتملات ليس الا مقدمة للقطع بحصول الواجب فمتى لم يجب تحصيل القطع لا يعقل بقاء مقدمته بصفة الوجوب توضيح الضعف ان المقتضى لوجوب ايجاد كل من المحتملات انما هو احتمال مصادفته للواجب الذي تعلق التكليف به فان قضية تعلق التكليف بشئ عدم معذورية المكلف في مخالفته على تقدير تمكنه من الخروج عن عهدته ومقتضاه وجوب الاتيان بكل ما يحتمل كونه ذلك الواجب فكل واحد من المحتملات بنفسه موضوع مستقل بنظر العقل للحكم بوجوب ايجاده لما في تركه من احتمال استحقاق العقاب المرتب على ترك الواجب فالزام العقل بوجوب ايجاده جميع المحتملات انما هو للأمن من العقاب الذي يحتمله في ترك كل واحد منها فالموافقة الاحتمالية الحاصلة بفعل كل واحد من المحتملات هي المقتضية لوجوب ايجاد ذلك المحتمل وعجزه عن بعض منها لا يصلح مانعا الا عن وجوب ذلك البعض والحاصل انه متى علم تعلق التكليف بشئ مردد بين أمور بجب القطع بالخروج عن عهدته اما بايجاد تلك الأمور لدى التمكن من ذلك أو بايجاد ما يتمكن منها فأن هذا أيضا كفعل الجميع موجب للقطع ببراءة الذمة عن الواجب فإنه وان لم يوجب القطع بحصول نفس الواجب لكنه موجب للقطع بسقوط التكليف اما بالعجز أو بالامتثال وربما يفصل في المسألة بين ما لو تعلق العجز ببعض غير معين من محتملات الواجب فحكمه ما عرفت أو ببعض معين فينتفي التكليف رأسا من غير فرق بين كون الواجب غيريا كما فيما نحن فيه فينتفي حينئذ وجوب الصلاة إلى القبلة واما نفس الصلاة فهي لا تسقط بحال أو نفسيا كما لو ترددت الصلاة الواجبة بين كونها ظهرا أو جمعة نظرا إلى أن القدرة على الفعل شرط في صحة التكليف وهي غير محرزة في الفرض لجواز كون القبلة في تلك الجهة التي تعذر استقبالها فيشك حينئذ في أصل التكليف فيرجع إلى البراءة وهذا بخلاف ما لو تعلق العجز ببعض غير معين فإنه قادر على الفعل من حيث هو ولكن بواسطة عروض الاشتباه وعدم التمكن من الاتيان بمجموع المحتملات تعذر تحصيل القطع بالموافقة فينتفي وجوب ذلك لا أصل التكليف واستوجه بعض هذا التفصيل فيما إذا تحقق العجز عن البعض المعين قبل تنجز التكليف بالفعل لابعده تنظيرا على الشبهة المحصورة التي اضطر المكلف إلى ارتكاب بعض أطرافها حيث إن مقتضى التحقيق فيها التفصيل بين ما لو تحقق الاضطرار وقيل تنجز التكليف فلا يجب الاجتناب عن ساير الأطراف أو بعده فيجب والأقوى ما عرفت من عدم سقوط التكليف رأسا ووجوب الاتيان بسائر المحتملات التي تمكن من فعلها من غير تفصيل بين تعلق العجز ببعض غير معين أو معين قبل تنجز التكليف أو بعده كما نسب ذلك إلى المشهور لان معذورية المكلف في ترك امتثال الواجب على تقدير مصادفته للبعض الممنوع عنه عقلي وقد أشرنا في صدر كتاب الطهارة وفي مبحث المائين المشتبه طاهرهما بنجسهما بل في غير مورد من الكتاب المزبور إلى أن العقل لا يحكم الا بكون العجز الواقعي عذرا مقبولا في مخالفة التكاليف لا احتماله وهذا وان كان مرجعه إلى شرطية القدرة في التكاليف واختصاص أدلتها بغير العاجز الا ان المخصص إذا كان عقليا يخرج ذوات المصاديق عن تحت اطلاقات الأدلة لا بعناوينها الخاصة فلو شك المكلف بعد دخول الوقت في أنه متمكن من فعل الصلاة تامة الاجزاء والشرائط يجب عليه الاشتغال بفعل الصلاة حتى ينكشف الحال اما بحصول الامتثال أو ظهور العجز وليس له ترك الصلاة معتذرا بعدم علمه تنجز التكليف بالصلاة بواسطة الشك في القدرة التي هي شرط في ذلك لا لما توهم من قاعدة ظن السلامة أو استصحاب القدرة أو نحو ذلك بل لما أشرنا إليه من أن عجزه عن الامتثال في الواقع هو العذر بنظر العقل في رفع اليد عن الخطاب المتوجه إليه فمن كان عاجزا في الواقع معذور في مخالفة التكليف دون من لم يكن كذلك فان من الواضح انه لا يجوز رفع اليد عن الخطاب المتوجه إلى المكلف بمجرد احتمال كونه معذورا في مخالفته بل يجب عقلا السعي في الخروج عن عهدته ما لم ينكشف العجز رعاية لاحتمال القدرة الموجبة لجواز المؤاخذة على مخالفته تفصيا عن العقاب المحتمل وان شئت قلت إن من كان عاجزا في الواقع عن أداء الواجب يراه العقل معذورا في مخالفته فهو خارج عن زمرة المكلفين بهذا العقل وان شمله اطلاق دليله أو عمومه فالاطلاق أو العموم مخصص بالنسبة إليه لكن لا على وجه يكون للمخصص عنوان عام حتى يقال عند الشك في كون شخص قادرا أو عاجزا ان دخوله في عنوان العام ليس بأولى من اندراجه تحت المخصص بالنظر إلى ظاهر الدليل فان العقل لا يحكم بخروج من عجز عن الامتثال بلحاظ اندراجه تحت مفهوم العاجز بل بلحاظ كونه بذاته غير قابل لان يتوجه عليه التكليف بواسطة عجزه فالخارج عن تحت أدلة التكاليف انما هو مصداق العاجز لا مفهومه فكل فرد فرد من مصاديق العاجز تخصيص مستقل فمتى شك في عجز شخص يشك في تخصيص الحكم بالنسبة إليه فيجب التمسك حينئذ بأصالة العموم أو الاطلاق إلى أن يعلم بالتخصيص أعني لخبره والحاصل ان تعذر بعض الأطراف لا يوجب بنظر العقل الا معذوريته في مخالفة الواجب على تقدير مصادفته لما تعذر لا معذوريته في ترك امتثاله على تقدير حصوله بما تيسر فعله ولا يقال الواجب الذي تعذر بعض محتملاته بالحرام الذي اضطر إلى ارتكاب بعض محتملاته حيث التزمنا في تلك المسألة بان الاضطرار إذا تعلق ببعض معين قبل أو يعلم اجمالا بحرمة شئ مردد بين ما اضطره إليه وغيره جاز له ارتكاب
(١٠١)