حقيقة أو حكما الا استقبال السمت الذي يحتمل وجود الكعبة فيه ويقطع بعدم خروجها منه متجريا في تشخيصه الأقرب فالأقرب وهذا مما يتسع بحسب الأحوال والاشخاص بحيث قد يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة كما يشهد له الصحيحتان الاتيان ويؤيد ما يستفاد من النصوص والفتاوي من جواز التعويل على الأمارات الظنية التي من أوضحها الرياح الأربع كما مثلوا بها فان من الواضح انه قل ما تتشخص جهة القبلة بمثل هذه الامارات في أقل من ربع الدائرة ولا يخفى عليك انه متى أحرز جهة القبلة بشئ من العلائم المعتبرة يعامل مع تلك الجهة معاملة عين الكعبة عند مشاهدتها فلا يلاحظ حينئذ مقدار الانحراف عن العين كي يقال إن الانحراف عن الكعبة بمقدار ثمن الدائرة مضر أو غير مضر لا لكون الجهة من حيث هي قبلة للبعيد بل لكونها عند اجمال خصوص الجهة المحاذية لها بمنزلتها من باب التوسعة والتسهيل بشهادة العرف والشرع وثانيا انه لا خلاف في أنه لا يجب على من لم يتمكن من معرفة القبلة أزيد من أن يصلي الفريضة الواحدة إلى الجهات الأربع لكل جهة مرة فلنا ان نقول لا يجوز الاجتزاء بأقل من ذلك لقاعدة الاشتغال ولا يجب أزيد من ذلك إذ لا خلاف في كفاية هذا المقدار من الاحتياط فهو شئ يقيني لما اشتغلت به ذمة المكلف وما يقال من أن الاجماع في مثل المقام لا يكشف عن رضاء المعصوم عليه السلام حتى يكون موجبا للقطع بفراغ الذمة فإنه مركب من قول المشهور ومن قول من اكتفى بصلاة واحدة زاعما اختصاص شرطية الاستقبال بصورة العلم فلا يجدي اجماعهم على عدم وجوب الزايد في مثل الفرض مدفوع بما تقدمت الإشارة إليه من أنه لو انحصرت جهة القبلة في احدى الجهات لا يقول أحد بسقوط شرطية الاستقبال ولا بوجوب أزيد من صلاة واحدة إلى تلك الجهة فهذا دليل على اتساع جهة القبلة لغير المتمكن من تشخيص جهتها الخاصة بحيث يجزيه صلاة واحدة إلى السمت الواقع فيه الكعبة واحتملها في كل جزء منه وان انحرف عن محاذاتها بمقدار لو علم به أو أمكنه تشخيص جهتها في أقل من ذلك لم يكن يجزيه ذلك لا يقال إن هذا لا يكشف عن اتساع الجهة لغير المتمكن لجواز ان يكون الاكتفاء بصلاة واحدة إلى الجهة التي علم إجمالا بوجود الكعبة فيها لاكتفاء الشارع في مثل الفرض بالموافقة الاحتمالية وحيث يحصل احتمال الموافقة بصلاة واحدة إلى اي جهة تكون عند اشتباه القبلة في الجهات كلها فلا مقتضى لوجوب الأزيد فإن الإطاعة مرتبتين الأولى وجوب الموافقة القطعية والثانية حرمة المخالفة القطعية فمتى تعذر القطع بالموافقة أو دل الدليل على عدم وجوبه لم يجب الا التحرز عن المخالفة القطعية وهو حاصل في الفرض لأنا نقول بعد الغض عن ظهور فتاوي الأصحاب بل صريح كثير منها في أن الصلاة إلى الجهة التي احتمل وجود الكعبة في كل جزء منها ليست من باب العمل بالاحتياط بل لكونها صلاة إلى القبلة انه يكفي في اثبات المدعى انعقاد الاجماع المعتضد بأدلة نفي الحرج وغيرها مما ستسمعه على عدم وجوب أزيد من صلاة واحدة إلى كل جهة سواء كان منشأه اتساع الجهة أو عدم وجوب مراعاة الاحتياط بأزيد من ذلك وما قيل من أنه متى تعذر القطع بالموافقة لم يجب الا التحرز عن المخالفة القطعية ففيه ما ستعرفه في الفرع الآتي من أنه لا يجوز رفع اليد عما يقتضيه الاحتياط في الواجب الا بقدر ما تقتضيه الضرورة أو يدل عليه دليل خاص فلا يجوز عند تعذر تحصيل العلم الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بل يجب رعاية الواجب بقدر الامكان كما سنوضحه حجة القول بكفاية صلاة واحدة صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المروية عن الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال يجزي المتحير ابدا أين ما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة ومرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن قبلة المتحير فقال يصلي حيث يشاء وصحيحة معاوية بن عمار المروية عن الفقيه قال قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال قد مضت صلاته فما بين المشرق والمغرب قبلة ونزلت هذه الآية في المتحير ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ونوقش فيها اما في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم فبانه ليس الا في الفقيه دون الكافي والتهذيب في الاستبصار التي علم من عادتها التعرض لما في الفقيه سيما الأخير الذي دأبه ذكر النصوص المتعارضة فعدم ذكره ذلك معارضا لمرسل خواش مما يؤيد عدم كونه كذلك فيما عندهم من نسخ الفقيه وانه محرف بقلم النساخ عن الصحيح الاخر يجزي التحري ابدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة المعروف في كتب الأصحاب وقد حكى عن المحدث المجلسي رحمه الله الجزم بذلك مؤيدا له بتأييدات كثيرة وقد يناقش في دلالتها أيضا باحتمال إرادة الاجتهاد منها على معنى أينما توجه مما قوي في ظنه فتتحد مع الصحيحة السابقة كما أنه قد يناقش في دلالة مرسلة ابن أبي عمير بابداء مثل هذا الاحتمال وفيه مالا يخفى واما في الصحيحة الأخيرة فبان الظاهر أن ما في ذيلها أعني قوله ونزلت هذه الآية الخ من عبارة الصدوق مع معارضته بما في كثير من النصوص بان الآية نزلت في النوافل مثل ما عن الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله انها ليست منسوخة وانها مخصوصة بالنوافل في حال السفر وعن الشيخ في النهاية عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله قال هذا في النوافل في حال السفر خاصة واما الفرائض فلابد فيها من استقبال القبلة وعن علي بن إبراهيم رحمه الله في تفسير في قوله تعالى ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله قال قال العالم عليه السلام فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر فاما الفرائض فقوله تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره يعني الفرائض لا يصليها الا ان القبلة إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه فهذه الأخبار بظاهرها تناقض ما في ذيل الصحيحة المتقدمة من أنها نزلت في المتحير سواء جعلناه من تتمة الرواية أو من كلام الصدوق والحمل على الثاني أوفق بظواهر هذه الأخبار كما يؤيده سوق التعبير وعدم المناسبة بينه وبين ما قبله من تحديد القبلة بما بين المشرق والمغرب ولكن مع ذلك لا يظن بالصدوق ان يتكلم بمثل هذا الكلام لا عن ماخذ صحيح كما يؤيده ما روى مرسلا من أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله لم يهتدوا إلى القبلة في بعض الاسفار فصلى كل منهم إلى جهة وخط فلما أصبحوا ظهر ان صلاة الجميع وقعت
(٩٨)