فالتزم بوجوب استقبال العين مطلقا من غير فرق بين القريب والبعيد والمشاهد وغير المشاهد لكن حيث تعذر تحصيل القطع بذلك عادة للبعيد الغير المشاهد للعين وجبت الموافقة الظنية بالرجوع إلى الامارات المورثة للظن بالمقابلة العرفية التي هي المدار في صدق الإطاعة للمشاهد وغيره لا المحاذاة الحقيقية و هذا القول وان كان مغايرا للأقوال الثلاثة التي عددناها في المسألة لكن لم ندركه في عدادها لما سنشير من أن عد الجهة قبلة ليس لكونها من حيث هي مما يجب استقبالها بالأصالة فان الحق الذي لا ينبغي الارتياب فيه ان القبلة التي يجب على كل أحد التوجه إليها ليس الا الكعبة اما بخصوصها أو مع ما حواها من المسجد والحرم ولكن يكفي استقبال جهتها عند عدم مشاهدة العين لكون استقبال الجهة استقبالا للكعبة بنحو من الاعتبار كما سنوضحه إن شاء الله وكيف كان فعن المعتبر انه فسر الجهة التي أوجب مقابلتها لمن لم يشاهد العين بالسمت الذي فيه الكعبة ثم قال وهذا متسع يوازي جهة كل مصل وبه عرفها في كشف اللثام ثم قال ومحصله السمت الذي يحتمل كل جزء منه اشتماله عليها ويقطع بعدم خروجها عن جميع اجزائه وعن جملة من الأصحاب تعريفها بما يقرب من ذلك أو يتحد معه على اختلاف تعبيراتهم وستعرف ان هذا هو الذي ينبغي البناء عليه وقال في المدارك اعلم أن للأصحاب اختلافا كثيرا في تعريف الجهة ولا يكاد يسلم تعريف منها من الخلل وهذا الاختلاف قليل الجدوى لاتفاقهم على أن فرض البعيد استعمال العلامات المقررة والتوجه إلى السمت الذي يكون المصلي متوجها إليه حال استعمالها فكان الأولى تعريفها بذلك ثم إن المستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في امر القبلة والاكتفاء بالتوجه إلى ما يصدق عرفا انه جهة المسجد وناحيته كما يدل عليه قوله تعالى فولوا وجوهكم شطره وقولهم عليهم السلام فما بين المشرق والمغرب قبلة وضع الجدى في قفاك وصل وخلوا الاخبار مما زاد على ذلك مع شدة الحاجة إلى معرفة هذه العلامات لو كانت واجبة واحالتها على علم الهيئة مستبعد جدا لأنه علم دقيق كثير المقدمات والتكليف به لعامة الناس بعيد من قوانين الشرع وتقليد أهله غير جائز لأنه لا يعلم اسلامهم فضلا عن عدالتهم وبالجملة فالتكليف بذلك مما علم انتفائه ضرورة انتهى وقد تبع فيما زعمه من التوسعة في امر القبلة وابتنائه على المسامحة شيخه المحقق الأردبيلي قدس سره على ما حكى عنه من ذهابه إلى عدم اعتبار التدقيق في امر القبلة وانه أوسع من ذلك وما حاله الا كامر السيد عبده باستقبال بلد من البلدان النائية الذي لا ريب في تحقق امتثاله العبد بمجرد التوجه إلى جهة تلك البلد من غير حاجة إلى رصد وعلامات وغيرها مما يختص بمعرفته أهل الهيئة المستبعد بل الممتنع تكليف عامة الناس من النساء والرجال خصوصا السواد منهم بما عند أهل الهيئة الذي لا يعرفه الا الأوحدي منهم وفي اختلاف هذه العلامات التي نصبوها وخلو النصوص عن التصريح بشئ من ذلك سؤالا وجوابا عدى ما ستعرفه مما ورد في الجدي من الامر تارة بجعله بين الكتفين وأخرى بجعله على اليمين مما هو مع اختلافه وضعف سنده وارساله خاص بالعراقي مع شدة الحاجة لمعرفة القبلة في أمور كثيرة خصوصا في مثل الصلاة التي هي عمود الاعمال وتركها كفر ولعل فسادها ولو بترك الاستقبال أيضا كذلك وتوجه أهل مسجد قبا في أثناء الصلاة لما بلغهم انحراف النبي صلى الله عليه وآله وغير ذلك مما لا يخفى على العارف باحكام هذه الملة السهلة السمحة أكبر شاهد على شدة التوسعة في امر القبلة وعدم وجوب شئ مما ذكره هؤلاء المدققون وربما يستشعر من العبارة المتقدمة عن صاحب المدارك بل يظهر منها خصوصا بضميمة ما ذكره قبل هذه العبارة من المناقشة في وجوب استقبال عين الكعبة للمشاهد ان لم يكن اجماعيا لمخالفته لاطلاق الآية والرواية جواز استقبال السمت الواقع فيه الكعبة مطلقا حتى مع العلم بعدم مقابلة العين كما هو ظاهر غير واحد بل صريحهم وهو في غاية الاشكال واشكل من ذلك ما يلوح من استشهاده لاثبات التوسعة بقوله عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبلة كما في صحيحتي زرارة ومعاوية بن عمار المتقدمتين في صدر المبحث من الميل أو القول بظاهر ما تضمنته الصحيحتان من كون ما بين المشرق والمغرب قبلة على الاطلاق فإنه بظاهره مما لا يمكن الالتزام به وان بالغ في تشييده صاحب المناهل على ما حكى عنه واستظهره من عبارتي المعتبر والمنتهى حيث عرفا الجهة بالسمت الذي فيه الكعبة فقال على ما حكى عنه إذا كان الكعبة في جهة الجنوب أو الشمال كان جميع ما بين الجنوب والشمال قبلة بالنسبة إلى النائي ثم قال ولا فرق حينئذ بين علمه بعدم استقبال الكعبة أو ظنه أو لا ثم نسب ذلك إلى مجمع الفائدة والمدارك والذخيرة وحكى عن بعض الأجلة نسبته إلى أكثر المتأخرين واستدل له باطلاق الآية والروايتين المتقدمات وقوله تعالى أينما تولوا فثم وجه الله خرج منه ما خرج بالاجماع و أيده بالسيرة المستمرة بين المسلمين من المسامحة في امر القبلة فيما يعتبر فيه القبلة من أمور المهمة كالصلاة والذبح ونحو ذلك انتهى وفيه ان كون مجموع ما بين المشرق والمغرب قبلة حتى مع العلم أو الظن بكون الكعبة في جزء معين مع مخالفته لظاهر الآية والأخبار الدالة على أن الكعبة هي القبلة وان الله تعالى لا يقبل من أحد التوجه إلى غيرها خلاف ظاهر الفقهاء بل صرح بعض بمخالفته للاجماع وعن اخر التصريح بان صلاة العالم المعتمد على هذا الوجه خلاف طريقة المسلمين بل ربما يرونها منافية لضروري الدين نعم عن الشهيدين في الذكرى والمقاصد العلية حكاية القول بان المشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس والجنوب لأهل الشمال وبالعكس عن بعض العامة وظاهرهما انحصار الخلاف فيهم ومما يشهد بعدم الخلاف في عدم جواز التعمد بالانحراف والاجتزاء باستقبال ما بين المشرق والمغرب ما ادعى عليه الاجماع من وجوب الرجوع إلى الامارات المعنية لجهة الكعبة مع الامكان ووجوب الميل إليها إذا تبين في أثناء الصلاة انحرافه عنها كما يدل على ذلك مضافا إلى ذلك موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل ان يفرغ من صلاته قال إن كان متوجها إلى ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وان كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة وغيرها مما ستعرفه في محله فيجب صرف الصحيحتين جمعا بينهما وبين ما عرفت إلى إرادة كون ما بين المشرق والمغرب قبلة لمن غفل عن تشخيص جهتها أو اشتبه عليه الجهة بحيث لم يميزها في أقل مما بين المشرق والمغرب لو لم نقل بانصرافهما في حد ذاتهما إلى ذلك بواسطة ما هو المغروس في الأذهان من كون القبلة هي الكعبة وان اعتبار
(٨٨)