بالحجاج فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين وأخرج عنها طلحة النداء عامل ابن الزبير وولى مكانه رجلا من أهل الشأم وسار إلى الحجاج بمكة في خمسة آلاف ولما قدم الحجاج مكة أحرم بحجة ونزل بئر ميمون وحج بالناس ولم يطف ولا سعى وحصر ابن الزبير عن عرفة فنحر بدنة بمكة ولم يمنع الحاج من الطواف والسعي ثم نصب الحجاج المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة وكان ابن عمر قد حج تلك السنة فبعث إلى الحجاج بالكف عن المنجنيق لاجل الطائفين ففعل ونادى منادى الحجاج عند الإفاضة انصرفوا فانا نعود بالحجارة على ابن الزبير ورمى بالمنجنيق على الكعبة وألحت الصواعق عليهم في يومين وقتلت من أصحاب الشأم رجالا فذعروا فقال لهم الحجاج لا شك فهذه صواعق تهامة وان الفتح قد حضر فأبشروا ثم أصابت الصواعق من أصحاب ابن الزبير فسرى عن أهل الشأم فكانت الحجارة تقع بين يدي ابن الزبير وهو يصلى فلا ينصرف ولم يزل القتال بينهم وغلت الأسعار وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح ابن الزبير فرسه وقسم لحمها في أصحابه وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم والمد من الذرة بعشرين وبيوت ابن الزبير مملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا ولا ينفق منها الا ما يمسك الرمق يقوى بها نفوس أصحابه ثم أجهدهم الحصار وبعث الحجاج إلى أصحاب ابن الزبير بالأمان فخرج إليه منهم نحو عشرة آلاف وافترق الناس عنه وكان ممن فارقه ابناه حمزة وحبيب وأقام ابنه الزبير حتى قتل معه وحرض الناس الحجاج وقال قد ترون قلة أصحاب ابن الزبير وما هم فيه من الجهد والضيق فتقدموا وملؤا ما بين الحجون والأبواء فدخل ابن الزبير على أمه أسماء وقال يا أمه قد خذلني الناس حتى ولدى والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك فقالت له أنت أعلم بنفسك ان كنت على حق وتدعو إليه فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك وقد بلغت بها علمين بين بنى أمية وإن كنت انما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتل معك وان قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين فقال يا أمه أخاف أن يمثلوا بي ويصلبوني فقالت يا بنى الشاة إذا ذبحت لا تتألم بالسلخ فامض على بصيرتك واستعن بالله فقبل رأسها وقال هذا رأيي والذي خرجت به داعيا إلى يومى هذا وما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة وما أخرجني الا الغضب لله وأن تستحل حرماته ولكن أحببت أن أعلم رأيك فقد زدتيني بصيرة وانى يا أمه في يومى هذا مقتول فلا يشتد حزنك وسلمى لامر الله فان ابنك لم يتعمد اتيان منكر ولا عمد بفاحشة ولم يجر ولم يغدر ولم يظلم ولم يقر على الظلم ولم يكن آثر عندي من رضا الله تعالى اللهم لا أقر هذا تزكية لنفسي لكن تعزية لأمي حتى تسلو عنى فقالت انى لأرجو
(٣٨)