طاهر فولاه الأسواق وشاطئ دجلة وأمره بحفر الخنادق وبناء الحيطان وكل ما غلب عليه من الدروب وأمده بالرجال والأموال ووكل الأمين بقصر صالح وقصر سليمان ابن المنصور إلى دجلة بعض قواده فألح في احراق الدور والرمي بالمجانيق وفعل طاهر مثل ذلك وكثر الخراب ببغداد وصار طاهر يخندق على ما يمكنه من النواحي ويقاتل من لم يجبه وقبض ضياع من لم يخرج إليه من بنى هاشم والقواد وعجز الأجناد عن القتال وقام به الباعة والعيارون وكانوا ينهبون أموال الناس واستأمن إليه القائد الموكل بقصر صالح فأمنه وسلم إليه ما كان بيده من تلك الناحية في جمادى الأخيرة من سنة سبع واسستأمن إليه محمد بن عيسى صاحب الشرطة فوهن الأمين واجتمع العيارون والباعة والأجناد وقاتلوا أصحاب طاهر في قصر صالح وقتلوا منهم خلقا وكاتب طاهر القواد بالأمان وبيعة المأمون فأجابه بنو قحطبة كلهم ويحيى بن علي ابن ماهان ومحمد بن أبي العباس الطائي وغيرهم وفشل الأمين وفوض الامر إلى محمد ابن عيسى بن نهيك والى الحسن الهرش ومعهم الغوغاء يتولون أمر تلك الفتنة وأجفل الناس من بغداد وافترقوا في البلاد ولما وقع بطاهر في قصر صالح ما وقع بأصحابه شرع في هدم المباني وتخريبها ثم قطع الميرة عنهم وصرف السفن التي تحمل فيها إلى الفرات فغلت الأسعار وضاق الحصار واشتد كلب العيارين فهزموا عبيد الله ابن الوضاح وغلبوه على الشماسية وجاء هرثمة ليعينه فهزموه أيضا وأسروه ثم خلصه أصحابه وعقد طاهر جسرا فوق الشماسية وعبر إليهم وقاتلهم أشد قتال فردهم على أعقابهم وقاتل منهم بشرا كثيرا وعاد ابن الوضاح إلى مركزه وأحرق منازل الأمين بالخيزرانية وكانت النفقة فيها بلغت عشرين ألف درهم وأيقن الأمين بالهلاك وفر منه عبد الله بن حازم بن خزيمة إلى المدائن لأنه اتهمه وحمل عليه السفلة والغوغاء ويقال بل كاتبه طاهر وقبض ضياعه فخرج عن الأمين وقصد الهرش ومن معه جزيرة العباس من نواحي بغداد فقاتلهم بعض أصحاب طاهر وهزموهم وغرق منهم خلق كثير وضجر الأمين وضعف أمره وسار المؤتمن بن الرشيد إلى المأمون فولاه جرجان وكاتب طاهر خزيمة بن حازم ومحمد بن علي بن موسى بن ماهان وأدخلهما في خلع الأمين فأجاباه ووثبا آخر محرم من سنة ثمان وتسعين فقطعا جسر دجلة وخلع الأمين وبعث إلى هرثمة وكان بإزائهما فسار إليهما من ناحيته ودخل عسكر المهدى وملكه وقدم طاهر من الغد إلى المدينة والكرخ فقاتلهم وهزمهم وملكها عنوة ونادى بالأمان ووضع الجند بسوق الكرخ وقصر الوضاح وأحاط بمدينة المنصور وقصر زبيدة وقصر الخلد من باب الجسر إلى باب البصرة وشاطئ الصراة إلى مصبها في دجلة
(٢٣٩)