لا يتخذ منها رياشا ولا يعتقدها قرارا، ولا يرجو فيها مقاما.
فأخرجها من النفس، وأشخصها عن القلب، وغيبها عن البصر، وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه، وأن يذكر عنده.
ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يدلك على مساوئ الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله، أكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال: أهانه فقد كذب والله العظيم بالإفك العظيم وإن قال: أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له، وزواها عن أقرب الناس منه.
فتأسى متأس بنبيه، واقتص أثره، وولج مولجه، وإلا فلا يأمن الهلكة، فإن الله جعل محمدا (صلى الله عليه وآله) علما للساعة، ومبشرا بالجنة، ومنذرا بالعقوبة، خرج من الدنيا خميصا، وورد الآخرة سليما.
لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله، وأجاب داعي ربه، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتبعه وقائدا نطأ عقبه (1).
(انظر) باب 1221.
[1225] الدنيا من وجهة نظر الإمام علي (عليه السلام) - الإمام علي (عليه السلام): والله ما دنياكم عندي إلا كسفر على منهل حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا، ولا لذاذتها في عيني إلا كحميم أشربه غساقا، وعلقم أتجرعه زعاقا، وسم أفعى أسقاه دهاقا، وقلادة من نار أوهقها خناقا.
ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، وقال لي: اقذف بها قذف الآتن، لا يرتضيها ليرقعها، فقلت له: اغرب عني.
فعند الصباح يحمد القوم السرى، وتنجلي عنا علالات (غلالات) الكرى (2).
- عنه (عليه السلام): والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم (3).
- عنه (عليه السلام): دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز (4).
- عنه (عليه السلام): إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى (5).
- عنه (عليه السلام): لدنياكم أهون عندي من ورقة [في] في جرادة تقضمها، وأقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها، وأمر على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها...
ما لعلي ونعيم يفنى، ولذة تنحتها المعاصي؟!
سألقى وشيعتي ربنا بعيون ساهرة وبطون خماس " ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " (6).